الاثنين، 23 أغسطس 2010

مفهوم التطوير التنظيمي

أولاً: مفهوم التطوير التنظيمي

خلال العقدين الماضيين برز مفهوم التطوير التنظيمي" Organizational Development" كإطار للتغيير المخطط لمساعدة التنظيمات على التكيف والتهيؤ للتغيرات في البيئة المحيطة. ويعد التطوير التنظيمي مدخلاً لتشخيص المشكلات الإدارية مستنداً للمعرفة بالعلوم السلوكية. وقد عرف (1969:9) Backhard التطوير التنظيمي بأنة " جهد مخطط يشمل التنظيم بأكمله ويدار ويدعم بواسطة الإدارة العليا لزيادة افعالية المنظمة من خلال تدخل مخطط في عمليات المنظمة بأستخدام المعرفة بالعلوم السلوكية". وقد حدد Backhard من خلال هذا التعريف، أربع عناصر أساسية للتطوير التنظيمي:

1. التطوير التنظيمي عملية مخططة، طويلة الأجل للتغيير على مستوى المنظمة ككل. ويتضمن برنامج التطوير التنظيمي تشخيص علمي دقيق للمنظمة ووضع الأهداف والاستراتيجيات لتطويرها، وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية لتحقيق ذلك الهدف.

2. تشمل أنشطة التطوير التنظيمي جميع أجزاء التنظيم الرسمي وغير الرسمي ( كتغيير الثقافة التنظيمية، والهياكل التنظيمية، ونظام المكأفاة، والأهداف والإجراءات ).

3. تتم إدارة ودعم التطوير التنظيمي من قبل الإدارة العليا بالاستعانة بمستشارين من داخل المنظمة أو خارجها.

4. يهدف التطوير التنظيمي لزيادة فعالية المنظمة بحيث يكون لديها القدرة على التكيف والتهيؤ للتعامل مع التغيرات في البيئة المحيطة.

ثانياًً: مداخل التغيير في برنامج التطوير الإداري

يرى ( 1416 هـ) الطجم أن هناك ثلاث مداخل لبرنامج التطوير التنظيمي وهى:
1. مدخل التغيير للهيكل التنظيمي: ويقصد بالهيكل التنظيمي الإطار الذي يربط عناصر التنظيم المختلفة ببعضها البعض. وتتركز عملية التغيير في هذا المدخل على إعادة توزيع السلطات والاختصاصات وتجميع الوظائف وإعادة تصميم خطوط الاتصالات. وتشمل عملية التغيير كذلك إلغاء وحدات تنظيمية كانت قائمة واستحداث وحدات تنظيمية جديدة.

2. مدخل التغيير للجوانب التكنولوجية: يهتم هذا المدخل بالجانب التقني كالآلات والمعدات أو المهام وأساليب العمل. وتشكل التكنولوجيا أحد المصادر الهامة المؤثرة على عمل أي تنظيم وذلك من خلال لسرعة تطوراتها وتطبيقاتها.

3. مدخل التغيير للجوانب السلوكية: ويهتم المدخل السلوكي بتغيير أنماط السلوك واتجاهات وقيم الأفراد والجماعات داخل التنظيم. وللمدخل السلوكي دور مؤثر في تطوير المنظمات من خلال ( الطجم ):

I. تطوير الفرد وتغيير مستوى دوافعه وقدراته.
II. تطوير العلاقات بيت الأفراد وزيادة قدراتهم ومهارتهم القيادية.
III. تطوير العمل الجماعي.
IV. تطوير التفاعل بين المجموعات.

ثالثاً: مراحل التطوير التنظيمي

تعتبر عملية التطوير التنظيمي جهد منظم وعملية مستمرة بدلاً أن تكون برنامجاً محدداً بمدة زمنية محددة، لذا كان لا بد أن يمر برنامج التطوير التنظيمي بمراحل تدريجية لتحقيق الأهداف التي صمم من أجلها. وقد تعرض العديد من الباحثين والممارسين لحقل التطوير التنظيمي إلى وصف وتحليل المراحل المختلفة. فقد ميزLawrence and Lorsch (1969) أربع مراحل لبرنامج التطوير التنظيمي وهى:

1. مرحلة التشخيص. ويتم خلال هزة المرحلة التعرف على الاختلافات بين النتائج الفعلية والنتائج المرغوبة.

2. مرحلة التخطيط. ويتم فيها رسم خطط التطوير والتغيير المأمول تحقيقها وتحديد الآليات والاستراتيجيات الملائمة لتحيق الهداف.

3. مرحلة التنفيذ. وتتضمن ترجمة وتحويل الخطة إلى سلوك فعلى في مدة زمنية محددة.

4. مرحلة التقويم. وهدفه مقارنة الأهداف الموضوعة بالنتائج الفعلية التي تم تحقيقها وتشخيص أسباب ومصادر الانحراف.

التغيير الإداري.. كيف؟ و لماذا؟

التغيير الإداري.. كيف؟ و لماذا؟


بات معروفاً لدى الجميع أن التغيير أمر محتوم في كل مؤسسة ونظام.. لأن الزمان متحرّك والكفاءات البشرية في تنامٍ، والحاجات والضرورات في تزايد واتساع، وإلى هذا يستند القائلون بأن التغيير سنة من سنن الحياة.

وعليه فإنه لا يمكن أن تبقى الأعمال والمؤسسات والأنظمة على حالة واحدة دون تغيير، فعلى الجميع أن يتغيّر ويغيّر من أساليبه وأفكاره، ابتداءً من الدول وأنظمة الحكم إلى المؤسسات وحتى الدوائر الاجتماعية الصغيرة في البيت والأسرة،
ولعلّ قوله سبحانه: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
يشير إلى بعض ذلك؛ فليس الجيل السابق نفس الحالي ولا الأبناء اليوم نماذج مكرّرة لأبناء الأمس، كما إن ثقافة الغد ليست تكراراً لثقافة اليوم.. فلكلّ جيل أفكار وطموحات وهموم قد تتفق معها الأجيال الأخرى وقد تختلف. فإذا لم نبدأ بتغيير أوضاعنا وتطويرها بحريّة وعقلانية وتوجيه، فإنه سيُفرض علينا التغيير، وربما في أشكال غير محمودة العواقب.

إذن لابد أن نغيّر ما في أنفسنا وأفكارنا ومناهجنا إلى الأفضل ما دام التغيير سنة من سنن الحياة وإلا فإن التغيير سيكون نحو الأسوأ.

دواعي التغيير
إن الدواعي التي ينشأ منها التغيير عديدة وربما نلخص بعضها فيما يلي:
1- المجتمع سواء أكان ايديولوجياً أم اجتماعياً أم تكنولوجياً.
2- المسؤولون والعاملون في مختلف الشؤون والمجالات.. باعتبار أن التغيير والمواكبة للظروف وسيلة للحفاظ على المؤسسة وضمان بقائها في مجتمع متغير ومتطور بشكل مستمر.
3- الضروريات والحاجات والتطلّعات.
4- الضغوطات الخارجية.

كلنا يشاهد اليوم دخول أنظمة الحواسيب والطفرات العلمية المتسارعة في جميع المؤسسات والدوائر (كنموذج إداري)، كما نلمس وبوضوح التطلّعات الكبيرة التي تحفّز في الجيل الجديد نوازع الحرية والانفتاح والتعايش مع الديمقراطية معايشة إيجابية فاعلة (كنموذج فكري وثقافي).

هذه بعض النماذج للضرورات والدواعي التي تشكّل بالتالي القوة الدافعة إلى التغيير في بعض المؤسسات والمنظمات التي تتعامل إدارياً بالروتين القديم والأنظمة البدائية، وتظهر هذه الضغوطات ليس في قوة الدفع والتحريك فقط. بل تظهر آثارها أيضاً في مستوى الأداء وتحسينه أو سرعته وتطوره؛ فلا يقدر أحد أن يراهن على بقائه إذا وقف أمام عجلة التطور والنمو، ولا يمكن لأحدنا أن يزعم أنه الأقوى على تحدي ضرورات الحياة ومخالفة سننها، فضرورة العقل والحكمة تدعو إلى عقلنة التغيير وتوجيهه نحو الأفضل.. لأننا لا نريد من التغيير مجرد التحول إلى وضع معين على خلاف ما كنا عليه من قبل، بأيّ شكل كان، لأن هذا إخلال بالتوازن غير معروف المصير، بل نريد من التغيير التطوير ذا الطموحات العالية والانفتاح الإيجابي، والخطط البناءة للوصول إلى الأهداف؛ فما لم يتصف بالسمات التالية لا يمكن أن نعدّه تغييراً إيجابياً:
1- أن يكون معروف الأهداف ومعروف الوسائل.
2- أن يكون ضمن خطة مدروسة ومتوازنة.
3- أن يكون ضمن الضوابط والتوجيه الصحيح لكي لا يخرج عن السيطرة المتوازنة.
4- أن يأتي بطموحات وتطلّعات جديدة للمؤسسة والعاملين فيها ويزيدهم حماساً وتماسكاً.
5- أن يأتي بفرص عمل جديدة تأخذ بأيدي الجميع إلى التقدم.
6- رفع مواقع الضعف والاختلالات السابقة عبر إزالة النواقص والسلبيات القديمة التي ثار التغيير عليها.
7- يزيل العوائق التي كانت تزيد من ضعف المؤسسة أو تقلل من إيجابياتها.
8- اكتساب الإدارة عناصر أو مهارات جديدة لتحقيق الأهداف.. وغير ذلك من السمات التي في مجموعها تعدّ مؤشراً حقيقياً للتغيير الإيجابي الذي يحقق طموح المؤسسة في البقاء ويضعها في قائمة المؤسسات المنافسة.

ويمكن أن تعرّف إدارة (التغيير)
بأنها الجهاز الذي يحرك الإدارة والمؤسسة لمواجهة الأوضاع الجديدة وإعادة ترتيب الأمور بحيث يمكن الاستفادة من عوامل التغيير الإيجابي، وتجنّب أو تقليل عوامل التغيير السلبي، أي إنها تعبّر عن كيفية استخدام أفضل الطرائق اقتصاداً وفعالية، لإحداث التغيير لخدمة الأهداف المنشود.

وتستخدم إدارة التغيير أسلوبين في ذلك:
الأول - أسلوب دفاعي:
ويتمثّل في الغالب في محاولة سدّ الثغرات وتقليل الأضرار التي يسببها التغيير، إذ إن من الواضح أن كل تغيير أو تجديد أو تطوير يستلزم هدم غير النافع أولاً قبل البناء. والإدارة التقليدية حيث لا تؤمن بضرورة التغيير، أو لا تملك شجاعة الإقدام عليه أصلاً أو أسلوباً، فإن حكمتها تدفعها لسدّ الثغرات والنواقص التي تنجم عن العملية التغييرية، لأن ذلك في نظرها أفضل أسلوب يحفظ إلى حدٍّ ما كيان المؤسسة مع خسائر أقل؛ لذلك فإن هذا الأسلوب يتّسم بأنه دفاعي، ويتخذ شكل رد الفعل عن فعل التغيير، أي إن الإدارة تنتظر حتى يحدث التغيير ثم تبحث عن وسيلة للتعامل مع الأوضاع الجديدة.. وغالباً ما تكتفي فيه الإدارة بمحاولة التقليل من الآثار السلبية الناجمة عن التغيير.

بينما قد تستدعي الحكمة في بعض الأحيان مواكبة التغيير بأسلوب مدروس والسعي للاستفادة من الفرص الجديدة التي يتيحها في تبديل بعض المواقع أو الأفراد والعاملين أو تطوير أساليب العمل، لأن هذا أضمن لبقاء المؤسسة وأحفظ لها من السقوط.

الثاني: أسلوب الاحتواء:
وهو أسلوب هجومي في الغالب يقوم بالتنبؤ بما تتطلبه المرحلة من طموحات وآمال وما تملكه من قدرات، وتوجهها بالحكمة والحنكة نحو تحقيق الأهداف برويّة وموازنة، وهذا يتطلب من المدراء توقع التغيير بل والتنبؤ به ليمكّنهم من التعامل معه ثم تحقيق النتائج الأفضل.

وهذا الأسلوب يتطلب من الإدارة المبادرة لاتخاذ خطط وبرامج من جانبها لإحداث التغيير أو تنظيمه وضبطه ليصبّ في الصالح العام، هذا في البعد الإيجابي، أما في البعد السلبي فإنه يتطلب منها اتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع التغيير السلبي المتوقع أو تجنبه.

إن التغييرات التي تحدث في المؤسسات غالباً ما تهزّ توازنها كلياً أو جزئياً، ولذا تتطلب أسلوباً إدارياً يختلف عن الأسلوب التقليدي لتكون الإدارة قادرة وعلى مستوى جيّد من الحكمة والهدوء على احتوائه وتنظيمه وتحقيق التوازن الجديد للمؤسسة وفق مبدأ عمل الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة بدلاً من مبدأ عمل الأشياء بطريقة صحيحة فقط، والذي يعتمد عليه الأسلوب التقليدي في الغالب.

وبهذا يظهر الفرق الجوهري بين الأسلوبين الدفاعي والهجومي؛ فإن الأول يعتمد على الضوابط لإعادة الأمور إلى نصابها، فإذا تجاوزت النصاب انفلت الزمام من أيدي الإدارة وعاد عليها بالضرر.

بينما الأسلوب الهجومي يدرس الصحيح ويقبله، ويردّ الخطأ ويتجنبه؛ لذلك فإنه ينحى منحىً وسطاً يواكب الطموحات والتطلّعات، فيأخذ بالصحيح ويتجنّب الفاسد؛ وبذلك فهو يعدّ أسلوباً أفضل لإبقاء المؤسسة والمحافظة على كيانها وعلى تفوّقها في الأداء.

التغيير المدروس وغير المدروس
إن التغيير ليس هدفاً بل هو طريق؛ فإن اتخاذ التغيير هدفاً بذاته ينتهي إلى ضدّه، ويتحوّل إلى فوضى واضطراب لا تحمد عواقبه.
لذا ينبغي أن نميز بين التغيير العشوائي الذي يحدث بلا إعداد وتهيئة ودراسة كافية له، وبين الآخر الذي يخضع لعمليات توجيه وقيادة حكيمة وخطط مدروسة.
لذلك فإن الآثار التي تترتّب على كلا النوعين في التغيير متباينة؛ فالتغيير العشوائي أمر سهل وبسيط ويمكن البدء به بسرعة، لأنه هدم، والهدم أمره سهل وبسيط خصوصاً في الجماعات التي يعاني أفرادها من أزمة الوعي، أو تعاني صفوفها من التراكمات والتوتّرات السلبية الكامنة أو المحدودة، لذلك فإن مجرّد الدعوة إليه والسير باتجاهه يؤدي إلى تمزيق وحدة الصف، وتفكيك الأواصر، والانتهاء بالمؤسسة والعاملين فيها إلى أسوأ الأوضاع، بخلاف التغيير المخطط فهو أمر صعب ويحتاج إلى المزيد من العناية والتفكير والتصميم والإرادة، وقبل كل ذلك الوعي الخلاّق، وإدراك ضرورته، وضرورة العمل عليه لردم الفجوات ورفع النواقص وسدّ الثغرات، أو لرفع مستوى العمل والأداء، أو فتح آفاق التطلّعات والأهداف إلى الأعلى.

لذلك فإنه إذا تم الإعداد المناسب له فإنه سيحدث قفزة نوعية في العمل والعاملين، في أي مؤسسة كانوا، وعلى أي صعيد عملوا.

ومن هنا ينبغي على الإدارات أن تتنبأ بالمستقبل دائماً وتدرس أوضاعها وأفكارها وتخطط للتغيير والتطوير كلما أدركت أن هناك حاجة إليه أو ضرورة تتطلّبه، فإنها بهذا الأسلوب تكون قد احتوت الأمر واستثمرته على أحسن ما يرام وإلا فإن الأمور قد تنقلب، وتتبدّل الإيجابيات إلى سلبيات.

مقاومة التغيير
تعتبر إدارة التغيير من أصعب المهمات الإدارية المبدعة؛ لأنها لا تتوقف على الممارسة الصحيحة فقط، بل التخطيط الناجح أيضاً ووضع النقاط على الحروف، والفكرة المناسبة في الظرف المناسب، والرجل المناسب في مكانه المناسب..
وتشتدّ الصعوبة إذا واجه المدراء أفراداً يفضلون ما اعتادوا عليه، أو يتخوّفون بدرجة كبيرة من الحساسية من التغيير، لأن بعض الأفراد يرون في التغيير تهديداً لجهود كبيرة بذلت لأجل إقامة العمل وتكوين علاقات وروابط متينة، أو هدراً للطاقات، وبعضهم الآخر يرى فيه تهديداً لمصالحه الخاصة، ولهذا فإن ردّ الفعل الطبيعي على التغيير في أغلب الأحيان هو مقاومته في البداية بقوة، وعرقلة مسيرته لإضعافه وإفشاله.

لذا تصعب مهمة المدراء هنا لأنها تتطلب منهم القيام بعمليات توجيه وتوعية وتطمين كافية لزيادة الثقة والاستقرار وتحويل الخوف منه إلى قناعة، والعرقلة إلى دفع، وهذا لا يتم إلاّ إذا تمكنا من إقناع الأطراف بأن التغيير هو تقدم نحو الأفضل، وأن التغيير من هذا المنظور سيكون في النهاية في نفع الجميع ويصبّ في خدمة العمل والمؤسسة؛ لذلك يجب على المعنيين بإدارة التغيير توضيح أسبابه وأهدافه للعاملين، لتكوين رأي عام جيّد، وكتلة من العاملين تدعم المشروع وتبني لبناته.

ذلك أن عدم فهم الدوافع والغايات، وعدم إيجاد من يحمي الفكرة ويتبنّى آلياتها، يوجد روح المقاومة له، وصياغة الأجواء المضادّة للحؤول دونه، ومن هنا لعلّ من المناسب أن نذكّر :
بعض الأسباب التي تدعوا الكثيرين لمقاومة التغيير وهي كالتالي:

1. انعدام الاستقرار النفسي والطمأنينة؛ وذلك لأن التغيير يتطلب تبديلات وتغييرات في المناهج والأساليب، وفي ذلك تهديد للأمن النفسي خصوصاً عند الأفراد الذين لا يجدون ضرورة أو مصلحة في التغيير.

2. توقّع الخسارة؛ فغالباً ما يتوقع المعنيون بالتغيير أن هدف الإدارة من التغيير قد يكون التطوير، وقد لا يخلو من دوافع أخرى غير مصرّح بها قد تعود عليهم بالضرر لأن التغيير يتطلب إجراء بعض المحاسبات والتقييمات للمسيرة السابقة؛ الأمر الذي قد يعرّض العديد من الأفراد إلى المحك والميزان، وخصوصاً أولئك الذين يشعرون بالتقصير في إنجاز الوظائف أو الإحباط في الإنجاز. أو قد يكون من أجل استبدال بعض المسؤوليات والوظائف، وتغيير في جدول الأولويات أو ترقية بعض الأفراد مقابل إقصاء البعض أو إنزالهم من مراتبهم أو تصعيد غيرهم على حسابهم.
وغير ذلك من الدوافع والأسباب التي هي في المحصلة النهائية تعود عليهم بالخسارة، خصوصاً أولئك الذين يفترضون أن التغيير موجّه ضد مصالحهم.

3. التخوّفات الاقتصادية؛ فإن بعض الأفراد يتصور أن التغيير يهدر دخله، لأن التغييرات الجديدة تتطلب تغيّر في معادلات الدخل والصرف وميزانيات الأعمال؛ الأمر الذي قد لا يرتضيه أو يلبّي طموحاته، خصوصاً وأنه تعوّد على مجاراة وضع مستقر كانت قد تهيأت أسبابه ودواعيه وشروطه.

4. القلق الاجتماعي؛ فإن التغيير بطبيعته قد يولد تخوّفاً من المجهول عند بعض الأفراد، لأنه يؤدي إلى فكّ بعض الأواصر والارتباطات وتأسيس أواصر وارتباطات جديدة غير معروفة من حيث الأفراد والعناصر والمشارب والأمزجة، وربما يستلزم في بعض الأحيان الارتباط بعناصر لا يحبون التعامل معها، كما قد يفكّ ارتباطهم بعناصر يحبّذون التعامل معها.

5. الخوف من أن يؤدي التغيير إلى لزوم تعلّم مهارات جديدة وتجميد مهارات كانت مكتسبة ومختمرة، هذا فضلاً عما قد يسببه التغيير من تبدل في المواقع والأدوار والأمكنة والدوائر والمسؤوليات؛ إذ قد يخشى الإعلامي الذي يحبّ هذا الدور وتطبّع مع مهاراته، أن يبدّل التغيير دوره إلى إداري أو مدير مالي؛ الأمر الذي يجعله متعثراً في مسيرته ودوره، إلى غير ذلك من الأسباب والدواعي، وعلينا أن نعرف أن عمليات المقاومة للتغيير لا تنشأ من الأفراد فقط. بل قد تكون جماعية وحينئذٍ ستشكل خطورة كبيرة لأنها في هذه الصورة تكون قد تحوّلت إلى رأي عام وتكتلات تحمل نفس التصوّر والانطباع؛ وعليه فإنه إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل معها بإيجابية فإنه سيؤدّي إلى الانقسامات الداخلية أو تحطيم المؤسسة بالكامل،



كما ينبغي أن نلتفت أيضاً إلى أن التغيير غير المدروس قد يسبّب تنظيم عمليّات المقاومة من قبل العديد من المدراء وأصحاب النفوذ ويجعل الموانع حينئذٍ خططا مرسومة بشكل دقيق ومحمية بالقدرة والنفوذ تؤدّي في محصلتها إلى فشل التطوير والتغيير بشكل كبير ويبرز ذلك في مظاهر عديدة في المؤسّسة نفسها التي منها ما يلي:

1. الجمود الهيكلي؛ أي يتم انتخاب العناصر المؤثرة والتي يمكن أن تساهم مساهمة إيجابية في التغيير لتحييدها أو جرّها إلى صفوف المقاومة، وبالتالي قد تنقسم المؤسسة إلى جماعات تمثّل كل جماعة تياراً يحميها ويؤيدها ويعرقل عمل التيار الآخر.

2. تقييد جماعات العمل أو المشاريع والخطط أو عرقلتها بذرائع مختلفة.

3. زيادة تمسّك بعض الأفراد بما عندهم من مهام وإمكانات وتشديد القبضة عليها، لكي لا تفلت من الزمام، وتعطيهم القدرة على التحكم بها متى شاءوا خوفاً من فقدانها أو عناداً للتغيرات الجديدة.

4. اشتداد حالة التذمّر وتوسيع نطاقها لجعلها حالة مستشرية، وهذا الأمر يستفيد منه غالباً الأفراد الذين لهم قدرة عالية على التنظيم والإدارة لتحويل المقاومة إلى رأي عام وبالتالي فتح جبهات متعدّدة على الإدارة بما يحول دون وصولها إلى أهدافها في التغيير.

ومن هنا فإن الحكمة تتطلب دائماً أن نتحلّى بقدرٍ كاف من الشجاعة والصبر والإرادة والتصميم، بالإضافة إلى التحلّي بالحكمة والحنكة والتهيئة الكافية للتغيير من حيث الدراسة والموضوعية ورسم الخطط الصحيحة لتتم العملية بلا أضرار أو مع أضرارٍ أقل مع ضمان أكبر لقبول العاملين والأفراد وكسب تعاطفهم معها.

كيف نتعامل مع التغيير؟
بعض الوسائل في هذا المجال بما يلي:
1. إيجاد وعي التغيير والاقتناع بضرورته؛ وأول خطوة في هذا المجال وقبل كل شيء علينا تجنب المفاجآت والقرارات الفوقية أو الارتجالية عن طريق إحاطة العاملين علماً مسبقاً بما يراد عمله وأهدافه ودواعيه، والأفضل من ذلك إذا جعلنا الجميع يشعرون بضرورة التغيير والمساهمة في اتخاذ قراره حتى يستعدّوا للنقلة وتقبّل الجديد بل والدفاع عنه مع الحفاظ على مستوى كبير من الثقة وحسن الظن بالإدارة، ويمكن اتباع أسلوب الاجتماعات واللقاءات والسماح للكل بإبداء الرأي ومناقشتهم في مجالات وطرق التغيير.

2. العمل على إفهام العاملين بمضامين التغيير ودوافعه ودواعيه وأسبابه بحيث يدركون ويتفهّمون الأسباب الحقيقية من وراءه؛ مما يقطع دابر الشكوك والقلق، ويقطع سبل الإشاعات والإرباكات التي قد يثيرها بعض المعارضين.

3. ضرورة إشعار العاملين المعنين بالأرباح والمكاسب التي يمكن أن تتحقّق لهم من جرّاء التغيير على اعتبار أنه عمل يراد منه الوصول بالجميع - أفراداً ومؤسسة - إلى الأفضل؛ الأمر الذي يسهم مساهمة فاعلة في زيادة المكاسب المادية والمعنوية للعاملين، ومن الواضح أنه كلما اطمأن العاملون للإدارة وحسن تدبيرها، بل وكلّما كانت الإدارة تحتل موقعاً جيداً في نفوس العاملين معها، كلما كانت عملية النجاح أكبر.
وتزداد النجاحات إذا شعر الجميع بالإنصاف، وستزداد أكثر إذا اطمأن العاملون بأن الإدارة لا تتعامل فقط بالثواب والعقاب والحق والواجب بل تزيد على ذلك لمسة من الإحسان والفضل واللطف والمحبة.

4. الاستعانة بالأفراد والأطراف الذين لهم تأثير فاعل على الآخرين، ولو من خارج المؤسسة أو من غير المعنيين لشرح التغيير وبيان دوافعه وأسبابه وفوائده، فإن ذلك قد يكون في بعض الحالات أبعد للشكوك والظنون السيئة.

5. إشراك العاملين بكافّة مراحل التغيير ما أمكن، فالإنسان بطبيعته يتقبّل أكثر ما يستشار فيه أو يوضع في صورته من أمور، فضلاً عما يشترك فيه من تخطيط وتنفيذ.

وهكذا يجب على أي مؤسسة مهما كانت طبيعة عملها وحجمها ودورها، ومهما كان نوع الإدارة المستخدمة فيها أن تعمل على تحقيق الابتكارات والتغييرات التي تراها ضرورية بهدف ضمان بقائها بل ونجاحها واستمرارها في القمة.

التقنية الحديثة مطلب من مطالب التغيير الإداري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،، أما بعد:

في عالم اليوم، يضطر العديدون أن يسلّموا بأن الفتوحات التقنية الجديدة المهمة قد غيّرت مؤقتًا ميزان القوى العسكرية والاقتصادية، وحتى بقاء كوكبنا نفسه أصبح موضوع بحث. ومع ذلك فالعديدون منا يفترضون أنه مهما غيّرت التقنية الوسائل التي تمارس الأمم بموجبها مصالحها السياسية الجغرافية، فإن تلك المصالح نفسها تظلّ على حالها. على أن هذا الرأي لا يصدق دائمًا.

إن التطورات المضافة في العلم والتقنية التي غالبًا ما نلخصّها بعبارة "ثورة المعلومات" غيّرت شكل واتجاه الأحداث الوطنية والدولية بطرق أساسية؛ فنحن نشهد ثورة في العلاقات بين الدول ذات السيادة وفي العلاقات بين الحكومة والمواطنين وبين هؤلاء المواطنين وأقوى المؤسسات الخاصة في المجتمع.

إن ثورة المعلومات تشكّل تهديدًا عميقًا لبُنى القوى في العالم، ولسبب وجيه. فطبيعة الدولة وسلطاتها ذات السيادة تتغير بل تتعرض للخطر بطرق أساسية، كما أن خريطة العالم السياسية الجغرافية يعاد رسمها. فعناصر توازن القوى التي سيطرت في الأربعين سنة الماضية قد أصابها الخلل بصورة دائمة، كما أن مؤسسات أخرى في عالمنا، وعلى رأسها شركات الأعمال، تواجه تحديات، بنفس القوة، لأسلوب عملها وستخضع لتغييرات عميقة مؤثرة.

ولا تزال ثورة المعلومات، رغم كونها أكثر الثورات ذكرًا في التاريخ، تُفهم فهمًا قليلاً. فالكثير من التجديدات التي أعلن عنها بأعلى الأصوات، لم يتحقق حتى الآن: المجتمع بلا شيكات، والمكتب بلا أوراق، والجرائد التي تصل عبر تلفزيون الكوابل، وطائرة حوّامة (هليكوبتر) في فناء خلفي لكل بيت.

يقول ولتر رستون في كتابه: "أفول السيادة": يُنظر إلى ثورة المعلومات عادة على أنها مجموعة تغييرات تحدثها تقنية المعلومات. وأهم تغييرين اثنين منها: تقنية الاتصالات الجديدة لبث المعلومات وأجهزة الحاسوب لمعالجتها.

فالمعرفة في واقع الأمر تعني الإطلاع على الوقائع والحقائق، أو المباديء عن طريق الدراسة أو البحث. كذا بالإمكان اعتبار المعرفة تعبيرًا منطقيًا لما نطبقه على العمل في إنتاج الثروة، فالمعرفة هي المصدر النهائي لقيمة في عمل.

إن أرنبًا يركض طليقًا في حقل ليس ثروة. بل يُصبح ثروة نتيجة لمعلومات تطبق على عمل صيّاد: معلومات عن مكان الطريدة، وكيفية مطاردتها، وكيفية رمي حربة أو إطلاق سهم وطريقة صنع السهم أو القوس أو الحربة. إن ما سبق من المعلومات إذا أخذت وطُبقت على عمل الصياد، تنتج قيمة، أي غذاء للصياد ولعائلته أو للمجتمع كله.

وتجدر الإشارة إلى أن لدى الاقتصاديين اسم للعمل الذي يقوم به الصيّاد لتحويل الأرنب إلى شواء: القيمة المضافة، وحتى في العصور القديمة، كان قسم كبير من تلك القيمة المضافة عملاً فكريًا: معرفة الصياد ومهارته، ومع ذلك، كان معظم القيمة المضافة - ماديًّا - أيامًا طويلة في الحقل لمطاردة الأرنب، وجهودًا شاقة طويلة الأمد في تشكيل حربة أو قوس، وشحذ سهم أو رأس حربة. وبالطبع، كان الأرنب يوفّر القيمة الأصلية للصفقة.

إن التقدم الاقتصادي، بصورة كبيرة، هو عملية زيادة المساهمة النسبية للمعرفة في إيجاد ثورة؛ فقيمة سنبلة من حبوب برّية يحصدها صيادون كانت مادية بشكل تام تقريبًا، هبة من الخالق سبحانه، وبمجيء الثروة الزراعية، تصبح سنبلة من القمح المهجّن مزروعة في حقول مسيّجة وخاضعة لدورات زراعية ومسمّدة ومروّية بعناية، تصبح إلى حد كبير جدًا إنتاجًا مستمدًا من العقل، كما أن الثروة الصناعية طوّرت العملية أكثر عندما زاد الناس من قدرتهم على معالجة المادة وتشكيلها طبقًا لاحتياجاتهم.

وفي زماننا هذا، ازدادت أهمية مكونات المعرفة لكل التقنيات زيادة واسعة، وكما أشار جورج جلدر فإن تقنية عصر المعلومات والشريحة الدقيقة ومكونات كل الاتصالات العصرية الأساسية وتقنية الحاسوب تتألف تقريبًا بالكامل من معلومات.

إن لتقنيات المعلومات التي وفرتها الشريحة تأثيرًا عميقًا على معدّل التقدم في معظم العلوم. إذ أن الحسابات التي كانت تستغرق سنوات، يمكن القيام بها في دقائق.

والمعرفة العلمية تتضاعف حاليًا كل خمسة عشر عامًا تقريبًا. وهذه الزيادة الكبيرة في المعرفة تجلب معها زيادة ضخمة في مقدرتنا على معالجة المادة بزيادة قيمتها بقوة العقل.

إن عالم العمل ودراما الإنتاج الاقتصادي والأساس الجوهري لوجودنا المادي الذي تسيّطر عليه منذ عدة قرون قوى الصناعة العمياء، أصبحت تسيطر عليها الآن تقنيات وعمليات تتألف من العقل أكثر مما تتكون من المادة، وهذه التقنية والعمليات أسرع وأكثر تحركًا، وأقل اعتمادًا على موارد طبيعية أو أجهزة مادية أو عمل بشري مما كانت عليه في الماضي القريب.

نحن الآن وسط ثورة تقنية واقتصادية هائلة ومع ذلك، فنحن معتادون على استعمال المقاييس الاقتصادية والاجتماعية التي طوّرت العالم نحو العالم الصناعي والعصر المتقدم الحديث، حتى إننا قلما نتوقف لنفكر بأن المقاييس القديمة للتقدم والانحلال والنجاح والفشل آخذة في فقدان فائدتها، فالكثير من الهستيريا الاقتصادية أصبحت خلفية متواصلة لمناقشات مقاييسنا الاقتصادية.

ويبدو أن الفائدة المتناقصة لهذه المقاييس هي أحد الأسباب التي جعلت العديد من اقتصاديينا الجيّدين جدًا مخطئين بشأن اتجاهات الاقتصاد المستقبلية.

إن اقتصاد المعلومات هو اقتصاد عالميّ بصورة لا يمكن التحكم به، ويعود هذا جزئيًا إلى أن التجارة بالمعلومات التي تقيّدها الجغرافيا أو تثقلها المادة قليلاً هي عالمية. واقتصاد عالميّ حقيقيّ جديد، على عكس اقتصاد الماضي القريب، متعددّ الجنسيات، يتطلب تنازلات من السلطة الوطنية. اقتصاد كهذا، لا يمكن احتواءه حقًا أو السيطرة عليه باستراتيجيات تجارية أو وقائية.

لقد حولتنا التقنية إلى مجتمع "عالمي" بالمعنى الحرفي للكلمة. وسواء كنا مستعدين لذلك أم لا، فإن لدى الجنس البشري الآن سوقًا ماليًا ومعلوماتية دولية متكاملة قادرة على تحويل الأموال والأفكار إلى أي مكان على هذا الكوكب خلال دقائق. فرأس المال سيذهب إلى حيث توجد حاجة إليه، ويبقى حيث يُعامل جيدًا.

كما أن تدفق المعلومات لن يختفي، بل سيزداد. فسلسلة جديدة من الابتكارات في أجهزة البث التليفزيوني تحوّل العالم كله إلى سَبْق صحفي محلي، فقد أصبحت أخبار التليفزيون طريق معلومات ذات كفاءة عالية، حتى إنّ التليفزيون تطوّر ليصبح قوة في الشؤون الدولية وسلاحًا في الدبلوماسية.

ورغم ما كُتب وقيل عن ثورة المعلومات، إلا أن العديد من الناس لم يواجهوا حتى الآن كيف غيّرت هذه الثورة الاقتصاد. فـي الوقت الذي يدركون فيه أن أجهزة الحاسوب والاتصالات السلكية واللاسلكية قد أصبحت قوى اقتصادية فعّالة.

إن العالم يتغير، ليس لأن مشغلي أجهزة الحاسوب حلّوا محل الكتبة الطابعين وأصبح بإمكانهم إنتاج عمل أكثر في وقت أقل، بل لأن الكفاح البشري للبقاء والازدهار يعتمد الآن على مصدر ثروة جديد كليًا، ألا وهو المعلومات.

إذن الفرق بين الاقتصاد الصناعي القديم واقتصاد المعلومات الجديد هو فرق كمي، وليس مجرد فرق نوعي.

ومن ثم، فإن تقنيات المعلومات قد أوجدت اقتصادًا جديدًا بصورة كلية، اقتصاد معلومات يختلف عن الاقتصاد الصناعي، بنفس درجة اختلاف الاقتصاد الصناعي عن الاقتصاد الزراعي. وعندما يتغير مصدر ثروة الأمم تتغير سياساتها كذلك.

لقد غيرت الثورة الصناعية مصدر الثروة، فحوّلت أكوام الصخر والمواد الخام إلى ثروات من الفولاذ والبخار.

وحتى عندما أعطت قيمة لموارد طبيعية كانت في السابق مهملة، زاد التصنيع بدرجة درامية قوة الدولة الوطنية، ليس فقط بزيادة إيراداتها، بل بتوسيع سلطتها التنظيمية والأسلحة اللازمة للسيطرة على هذه الموارد والمناطق التي تضمها أيضًا.

ختامًا أقول: إن العالم بحاجة ماسة إلى نموذج من اقتصاد معلوماتي ستخطّط أشكاله ووظائفه، فقد أصبحت الآن القواعد والعادات والمهارات والمواهب اللازمة لكشف وتصيّد وإنتاج وحفظ واستغلال معلومات، أهم قواعد وعادات ومهارات ومواهب الجنس البشري...


صناعة المعلوماتية
تعد المعلوماتية اليوم في ظل التغيرات التقنية المتطورة أساس وعماد الاقتصاد الحديث؛ فالتطورات العلمية الحديثة ترتبط بأنظمة المعلوماتية والاتصالات. وتعتمد المعلوماتية في انتشارها على أنظمة المعلومات، فكلما تقدمت هذه الأنظمة وارتفعت، أتيح للمجتمع أن ينمو ويتطور ويتقدم. وأصبح من المسلّم به الآن أن "برامج المعلومات" تعد قيمة غير تقليدية نظرًا لاستعمالاتها المتعددة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

وهذه القيمة المتميّزة لبرامج المعلومات تجعلها محلاً للتداول، في سوق يدور فيها الصراع حول مبالغ هائلة.

يقول د. السيد عطية عبدالواحد في كتابه: "الآثار الاقتصادية والاجتماعية للمعلوماتية": ترجع أهمية سوق المعلوماتية إلى تنوع التطبيقات المعلوماتية المنتشرة في كافة المجالات ذات البُعد الاقتصادي.

وللبرهنة على أهمية المعلوماتية، ينبغي الأخذ في الحسبان أن أي تطبيق معلوماتي، أو المعلوماتية بشكل عام، يعتمد على البرنامج المعلوماتي.

ويُعدّ البرنامج المعلوماتي عنصرًا أساسيًا وشريكًا في أنظمة المعلومات، وفي المجالات الصناعية المتعددة.

إن برامج المعلومات تلعب دورًا فعالاً ومؤثرًا في المجالات الطبية الحديثة، وعلوم الفضاء، والأسلحة الإلكترونية، والأعمال الإدارية، وغيرها من الأعمال.
لقد نمت صناعة المعلوماتية نموًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، ومازالت مستمرة في نموها وتطورها. وهي مثال بارز لصناعة التقنية المتطورة التي تحتاج لاستثمارات ضخمة من رأس المال وعمالة مدرّبة على مستوى رفيع لتطوير هذه المنتجات.

وطبيعة المعلوماتية ونموها السريع كصناعة وتنوعها، أدى إلى ظهور كثير من المشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

لقد تعددت استخدامات المعلوماتية في معظم المجالات، لا سيما في الدول المتقدمة، فازداد استخدام الحاسب الآلي في مجال التعليم والبحث العلمي والصحة والجيش والشرطة والعدالة والأعمال المصرفية.

ولا عجب، فإن استخدام الحاسب الآلي في المجالات المتعددة، من شأنه أن يوفر الوقت والجهد والمال، ويختصر المسافات، ويحث التقدم الحضاري في المجالات المختلفة.

إن التطور الاقتصادي الذي يشهده المجتمع الدولي حاليًا يدفع كثيرًا من الشركات والمؤسسات العاملة في مجال المعلوماتية إلى ضرورة تحديث وتطوير طرق عملها وتقنياتها، لقد أصبح سائغًا أن يقاس مدى تقدم الأمم بمدى أخذها بأسباب التطور التقني. وأصبح التفوق في صناعة المعلوماتية بمثابة الجسر الذي عبرت من خلاله العديد من الدول من أزمتها إلى التقدم والثروة والنجاح.

لقد أحدثت المعلوماتية انقلابًا خطيرًا في مختلف جوانب الحياة، وهو انقلاب لا يقل في أثره عن آثار الثورة الصناعية، فكما غيّرت الثورة الصناعية من البنية الاقتصادية والاجتماعية في القرن الثامن عشر، فإن المعلوماتية هي الأخرى استطاعت أن تغيّر من البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المعاصرة، لذلك يطلق على العصر الإلكتروني هذا مسميات متعددة مثل عصر ما بعد الصناعة، وعصر الثورة العلمية والتقنية، وعصر المعلومات العالمي.

والملاحظ أن المعلوماتية قد أثرت على العمالة بصور متعددة، كذا أثرت على شكل علاقات الإنتاج القائمة، وعلى الأعمال المصرفية؛ ففي دول العالم الثالث يتم إصدار الشيكات عادة يدويًا في كافة مراحلها، ولكن في الدول المتقدمة فالأمر جدّ مختلف، لأن الاعتماد على النقود الكتابية (الشيكات) يكون بصورة كبيرة على حساب النقود الورقية. ولا عجب، فإن إدخال المعلوماتية (برامج المعلومات) في هذا المجال من شأنه أن يؤدي إلى سرعة إنجاز المعاملات بالقدر اللازم لتيسير المعاملات اليومية والمستمرة للبنوك، ومن ثم، تعتمد المصارف في ذلك على وضع رقم سري يحل محل التوقيع التقليدي، ويتم وضع هذا الرقم في ذات الوقت الذي يتم فيه طباعة الشيك، ويصبح الرقم حيئنذ كالتوقيع تمامًا، بمعرفة شخص أعطى أمر إصدار الشيك. والمحصلة الحقيقية لتلك العملية هي توفير الوقت الذي تستغرقه عملية فحص الشيكات.

كما تسهم المعلوماتية مساهمة فعالة في مجال المعاملات التجارية. فهي تعين في إتمام الكثير من الصفقات التجارية دون حاجة لانتقال الطرفين والتقائهما في مكان معين، وإن لم يتم إتمام الصفقة فيكفي أنها تعين على التعريف بها تعريفًا كاملاً موفرة بذلك الوقت والجهد والمال.

إن صناعة المعلوماتية تعد اليوم إحدى الصناعات الأساسية في عالم العلاقات الاقتصادية الدولية. ولذلك فهي تُعدُّ شرطًا جوهريًا ضروريًا للتطور الاقتصادي والاستقلال الوطني، كما أن الآثار المتزايدة للمعلوماتية على الإنتاج ومن ثم على المنافسة، وتزايد الطلب المستمر على هذا المجال يُعطي للدول التي تتفوق في هذا المجال الوسائل الحقيقية لممارسة الضغوط الخارجية التي تحقق مصالحها، ولعل ذلك هو ما ينطق به الواقع العالمي.

وللأسف، فإنّ نصيب العالم الثالث في الاستهلاك العالمي ضعيف للغاية، كما أن نصيبه في الإنتاج العالمي ضعيف للغاية، ويتجلى الأمر بصورة واضحة وجلية في مجال المعلوماتية.

ففي مجال صناعة المعلوماتية، فإنه يلاحظ أن دول العالم الثالث ليس لديها المهارات التقنية اللازمة لهذا المجال، ولا السوق الداخلية الكافية، مما أدى إلى تعميق روابط التبعية بين الدول المتقدمة والمتخلفة في مجال صناعة المعلوماتية، وهذا هيأ للشركات المتعددة الجنسيات مجالاً واسعًا لتلعب دورًا مهمًا في تسويق أجهزة المعلوماتية وملحقاتها، بإغراء حكومات العالم الثالث وشعوبها لضرورة التزود بهذه الأجهزة.

والملاحظ الآن أن معظم دول العالم الثالث تبحث مسألة اقتناء الآلات والأدوات الخاصة بنظام المعلوماتية وتتنازع الشركات متعددة الجنسيات أسواق هذه الدول.

إن التطور العلمي المستمر في الدول المتقدمة يشكّل تحديًا حقيقيًا لدول العالم الثالث، وإن لم تستيقظ وتفيق دول العالم الثالث لهذه الحقيقة فإنه سيكون مقضيًا عليها بالفناء.

أخيرًا أقول:
1- لا ينبغي المغالاة في الآثار الإيجابية للمعلوماتية فإن لها بعض الآثار السلبية.
2- ينبغي الحذر من بعض أنواع المعلوماتية التي تضر بالقدرة على الإبداع والابتكار وبالعملية التعليمية.
3- على دول العالم الثالث أن تفيق من غفوتها، وتتجه للأخذ بالمناهج العلمية الحديثة والمتطورة حتى لا تظل مستوردة لكل منتجات الدول المتقدمة وما يرتبط بذلك من تبعية اقتصادية وسياسية وثقافية.
وقد آن أوان ذلك!!..



ثورة الإنفوميديا
قد تكون أي آلة حاسبة للجيب بين أيدينا اليوم أكثر من حيث القدرة والإمكانات مما كانت عليه كل الحواسيب التي وجدت قبل عام 1950م، وحتى ألعاب الفيديو التي يلهو بها أطفالنا الآن، هي الأخرى لديها من الإمكانات ما يفوق قدرة حاسوب كلّف إنشاؤه ملايين عدة منذ عشر سنين مضت.

إن ثورة الوسائط المعلوماتية آتية وفي جعبتها عجائب تخرج عن نطاق الحصر، فكما أذهلت السيارات والطائرات الأولى أجدادنا، وأدهشنا الراديو والتليفزيون لدى ظهورهما، ستقلب ثورة الوسائط المعلوماتية Infomedia Revolution حياتنا رأسًا على عقب.

فلا عجب، إن قيل إن أعظم ثلاث قوى تقنية على الساحة الآن: الحوسبة، والاتصالات، والوسائط المعلوماتية (الإعلامية)، التي من خلال تكييف نفسها معًا تحقِّق صيغة ائتلافية جديدة فيما بينها تعرف باسم: "التقارب التقني Convergence، ويحقِّق ذلك التقارب عائدًا يفوق 30 تريليون دولار سنويًا.

وستبرز الوسائط المعلوماتية - كما يقول الخبراء - ومن خلال تلك الصناعة الجديدة، التي تتنامى في سرعة مذهلة، كسلاح أساسي جديد للمنافسة في القرن الحادي والعشرين، وسيظهر إلى الوجود جيلٌ جديد من شركات تمتلك تقنية ثاقبة تدعم بدورها الوسائط المعلوماتية، لتحقِّق نجاحًا فلكيًا.

يقول فرانك كيلش في كتابه: "الوسائط المعلوماتية وكيف تغيّر عالمنا وحياتك؟": إن ثورة الوسائط المعلوماتية تتحدانا على المستوى الشخصي، وتثير قضايا أخلاقية جديدة وتغيّر من أساليب حياتنا اليومية.

لقد تقادم عصر المعلومات تقادم الحواسيب البالغ عمرها أكثر من خمس وعشرين سنة. فلماذا نتكلم عن عصر كانت أجهزة الحاسوب فيه لا تعالج سوى البيانات بينما نجدها تعالج الآن، الصور والفيديو والصوت - الوسائط الإعلامية - بالقدر ذاته من السهولة؟! وقد توافق عصر المعلومات الذي انطلقت بداياته في السبعينات، مع عصر الحواسيب الرئيسية. واليوم، لدى أطفالنا قدرة أكبر على معالجة البيانات بين أيديهم.

لقد أصبحت أجهزة الحاسوب جزءًا متمّمًا لحياتنا اليومية، بدءًا من ماكينات تسجيل المدفوعات النقدية حتى آلات الحساب الرقمية ومشغّلات الأقراص المدمجة وألعاب الفيديو وآلات النسخ والفاكسات والهواتف الذكية المتنقلة، وحتى الساعات التي بأيدينا ما هي إلا حواسيب مقنّعة، ولذا، سيكون المحرك الاقتصادي Economic Engine للاقتصاد العالمي الجديد مكونًا من صناعات الإنفوميديا وهي الحوسبة والاتصالات والإلكترونيات الاستهلاكية، وهذه الصناعات هي أكبر الصناعات العالمية الآن وأكثرها ديناميكية ونموًا حيث يبلغ رأس مالها أكثر من 3 تريليونات دولار، وسيكون عصر الإنفوميديا أعظم انطلاقة وأضخم تعزيز على مدار التاريخ للاقتصاد العالمي، خارج نطاق المجال العسكري، وسيكون هو محرك التقدم للتكتلات الاقتصادية التجارية العظمى في القرن الجديد، وسيكون عصر الوسائط المعلوماتية (الإنفوميديا) لبعض الناس كنز الفرص الجديدة. وقد ظهر على الساحة أخيرًا، محاربون جدد لعدد من الشركات لمواجهة عصر الإنفوميديا، وقد تشكلت ملامحهم بالفعل. فقد أخرجت لنا شركات مثل مايكروسوفت Microsoft وإنتل Intel وآبل Apple وسيجا Sega وكومباك Compag رجال أعمال من أمثال ستيفن جوبز وبيل جيتس.

ولقد وجدت كبريات المؤسسات من عمالقة الصناعة أمثال IBM و Amdahl وSperry وBurroughs أنفسهم في موقف صعب؛ ففي صناعة يكون فيها العائد الوفير هو المعيار، لن يكون بيل جيتس هو آخر بليونير في العصر الجديد، ولن تكون IBM هي أول من يعاني من آلام ذلك الاضطراب الهائل الذي اعترى الصناعة.

ولا شك أن ثورة الإنفوميديا ستلقي بظلها على كل مشروع وكل صناعة. وقد احتلت أجهزة الحاسوب وشبكات الاتصالات موقعًا رئيسًا وسط العمليات اليومية لكل مشروع أو مؤسسة، بل يمكن القول إنها قد أصبحت سلاحًا تنافسيًا رئيسًا في معركتها لفرض سيادتها على السوق.

وفي زمن ثورة الإنفوميديا، لا عجب إن وجدنا هواتف بلا أسلاك ونشر بلا ورق، وكتب بلا ورق وعقار إليكتروني وتسوق منزلي ونقود رقمية وبطاقات ذكية ومتاجر دون أرفف ومصارف بلا صرافين؛ إذ لم تكن النقود موجودة طوال أكثر فترات التاريخ امتدادًا، وكان البشر الأولون يستخدمون أسلوب المقايضة في تجارتهم فكانوا يبيعون بضاعتهم لقاء ما يحتاجونه من بضائع. وعلى مدار معظم تاريخ الجنس البشري، كان نظام المقايضة هذا هو الطريقة الوحيدة المتاحة للناس لامتلاك الأشياء التي لا يمكنهم تنميتها أو تصنيعها بأنفسهم. وفي النهاية أدرك البشر أن المقايضة لا يمكنها أن تفي باحتياجاتهم. ولابد أن تكون هناك طريقة أفضل، لذا، تطورت نظرتنا للنقود مع تطور المجتمع. فقد كانت تمثل احتياجات ومتطلبات المشاريع والأعمال والمصارف والحكومة والتي شكلت الصيغ المختلفة للنقود، واليوم تمثّل النقود شريان الحياة لكل المشروعات والاقتصاد الوطني.

واتخذت النقود على مدار الأزمنة صورًا وأشكالاً مختلفة واستخدمت الأصداف ، والبندق والحجارة والورق كنقود، بَيْد أنه ليس هناك أكثر مدعاة للغرابة والدهشة من نقود لا توجد على الإطلاق، واليوم، نجد أن الغالبية العظمى من النقود ما هي إلا نبضات إليكترونية في أي حاسوب. ومن الممكن تداولها وتحويلها بسرعة الضوء، وسرعان ما ستحل البطاقات الذكية مكان بطاقات الائتمان التي شاعت في كل الأرجاء، فلقد كانت البطاقات الذكية محور اهتمام مكثف وتطوير على مدى أكثر من 25 عامًا، وليست المصارف هي المستفيدة من البطاقات الذكية وحدها. فسيجني المستهلك ثمارها هو الآخر فالبطاقات بديل ملائم وسهل الاستعمال - كما يقول الاقتصاديون المتفائلون - للتعامل بالنقد والشيكات، إن البطاقات الذكية قد تصبح دفتر شيكات المستقبل حيث تعكس كل معاملات العميل المالية ومدفوعاته. وسيكون لدى المستهلكين القدرة على إدارة سنداتهم وأوراقهم المالية في أي وقت وأي مكان تقريبًا.

ختامًا أقول:
لقد لعبت الأدوات دورًا مهمًا في تحديد ملامح الجنس البشري. فكانت خصائص كل عصر تصيغها الأدوات التي ظهرت في زمانه. وقد تمّ تدوين تاريخ العقد الأخير من التاريخ على الحاسوب، أما العقد القادم فسيشكله الحاسوب كلية، وكلما تضاربت تقنيات المعلوماتية والوسائط الإعلامية والاتصالات، أدركنا أن عالمنا يعاد صياغته من جديد. إن تلك القوى ستعمل بجهد لا يكل على دفع عجلة الاقتصاد والمجتمع وحياتنا الخاصة نحو العصر القادم: عصر الإنفوميديا.

إن ثورة الوسائط المعلوماتية (الإنفوميديا) تطرق أبوابنا بالفعل، ولن تدع أمامنا سوى خيارات تشترك كلها في صعوبة واحدة: النظرة المستقبلية...


الثورة الرقمية
تضفي الإنترنت والتقنيات المرتبطة بها طابعًا خاصًا على الطريقة التي يعيش بها الناس ويعملون ويتصلون. فما التأثيرات التي ستحدثها هذه التغيرات البعيدة المدى على حياتنا؟!. وما نوع الحكومات التي يحتاج إليها الناس خلال القرن الحادي والعشرين؟ أو بالأحرى ما نوع أنظمة الإدارة التي يريدها الناس في الألفية الجديدة؟

ربما، كان هذا السؤال ضمن الأسئلة الأكثر جوهرية وهذا هو الوقت الملائم لطرحه، ولكن ذلك ليس فقط لأننا على مشارف تاريخ خاص في التقويم، تاريخ مشهود، كما هو ملاحظ بعشية العام الجديد، لا، بل السبب أننا نعيش فترة من فترات التغيير الأكثر إثارة في التاريخ.

والواقع، أن كل شيء نقوم به في حياتنا اليومية وفي عملنا وفي كل نواحي هياكل أنظمة إدارتنا، يمرّ الآن أو سرعان ما سيمرّ، بتحوّل أساسي، وهذا التحول يسمّى بالثورة الرقمية.

إن التقنيات التي تعمل بالإنترنت وترتبط معًا، والتي تمثل الإنترنت فيها الشكل الملحوظ بدرجة أكبر على الملأ تقوم الآن بقلب العالم رأسًا على عقب، ومع رسوخ شبكات العمل بصورة متزايدة تعيد هذه التقنيات تشكيل الطريقة التي يعيش بها الناس ويتصلون ويعملون. ونفس هذه التغيرات التقنية التي تغيّر حاليًا عالم الأعمال والمجتمع المدني ستضفي أيضًا طابعًا خاصًا على الطريقة التي تقوم بها أنظمة الإدارة وطبيعة الحياة العامة نفسها، وستقوم الثورة الرقمية في سياق تواصلها بإعادة تشكيل علاقات متميزة وإن ظلت متشابكة بين الناس.

ولكي نفهم لماذا وكيف ستتأثر مؤسسات أنظمة إدارتنا بمثل هذا العمق، من المفيد أن نبحث أولاً التأثير الهائل للاقتصاد الرقمي على الأعمال.

إن التقنية المعتمدة على الإنترنت تفرّخ أعمالاً جديدة تعلن وفاة شركة العصر الصناعي، فمنذ أعوام مضت، طرح الباحث الاقتصادي رونالدكوس سؤالاً ذكيًا: لماذا توجد الشركة؟! إذ أنه في عالم رشيد، قائم على النظرية الاقتصادية التقليدية، لماذا لا يستيقظ العمال والموردون والعملاء كل صباح فيشترون السلع من السوق ويعقدون الصفقات؟ لماذا هذه البنى الأساسية الضخمة والمصانع الثابتة في حين أنه في عالم مثالي أو على الأقل عالم نظري ستقوم قوانين العرض والطلب بإملاء التسعيرة، وقبل أن يبرد الإفطار نرى العالم يتبدى واضحًا للعيان كما ينبغي له أن يفعل؟!.

وكانت إجابة كوس بديهية وتتفق مع الفطرة فالاقتصاد كان معقدًا للغاية، والأهم من ذلك أن تكلفة إبرام كل تلك الترتيبات كانت من حيث الوقت والمال على حد سواء أعلى كثيرًا من التعامل مع أي شيء آخر سوى هيكل شبه دائم عالي التنظيم يسمى الشركة.

ولكن إذا انتقلنا بسرعة إلى اليوم، يسقط الآن بعض من تلك الحواجز التي كانت تحول دون إبرام ترتيبات أكثر مرونة بكثير بين الموردين، وشركاء البنية الأساسية وحتى العمل وهو يتمثل الآن في الأدمغة، وليس في القوة العضلية، وتتمثل ميزة الاتصالات المدارة بالإنترنت في أن تكلفة المعاملات لمثل هذا النشاط تنخفض إلى الصفر تقريبًا عندما يزيد مدى وسرعة تقنيات الاتصالات زيادة أُسّية، وعندما تصبح الأدوات أقوى.

وليست التجارة الإليكترونية سوى قمة جبل الجليد: فالاقتصاد الجديد يدور حول ظاهرة أعمق كثيرًا تعيد صنع قواعد الأعمال.

وتظهر الآن اتجاهات رئيسة متعددة، يمكن أن تكون أوصافها الموجزة مفيدة عندما نفكر في التغيرات المقبلة في أنظمة الإدارة، ومن ذلك:
(1) الشركات يتم تحويلها على نطاق واسع: بحيث تخضع لفحص دقيق وإصلاح واسع النطاق.
(2) السوق تتعلم كيف تمارس السلطة: حيث تغدو السوق أبرع وأكثر تشددًا.
(3) مشروعات الأعمال: حيث تتحرك هذه المشروعات بسرعة هائلة.
(4) المعرفة هي الأصول الرئيسة: بحيث يفسح النشاط الاقتصادي الذي يقوم على استخراج وتحويل الموارد النادرة المجال لاقتصاد الوفرة، وفرة المعلومات ووسائل الاتصال. ويغدو تأثير المعرفة عبر الابتكار حاسمًا.
(5) الشفافية والانفتاح: حيث يصبحان عاملي تمكين رئيسين في السوق.

إن العصر الرقمي زمن تحولات كبيرة تزعزع الاستقرار لم يسبق لها مثيل، ومع انهيار الهياكل القديمة وتآكل القوانين والأعراف القائمة، تحل أخرى محلها، وإذا كانت الأعمال الإليكترونية تعلّمنا شيئًا فهو أن العصر الرقمي يمقت الفراغ؛ لذا، فإن هيكل العصر الصناعي، الذي كان عالم الحياة العامة فيه يشتمل على ثلاثة مجالات رئيسة هي الحكومة، والسوق، والمجتمع المدني، يمرّ الآن بتحوّل أساسي مع سيطرة التقنيات، ومن ثم، تصبح الإنترنت منفذًا لأشكال جديدة من التفاعل مع المواطنين تسمح بالمشاركة.

وفي العصر الرقمي، يتحول المواطنون من مجرد مستهلكين إلى وضع يصبحون فيه شركاء نشطين في عملية الإدارة؛ يقول دون تاسكوت: في الأعوام القادمة نعتقد أنه سيحدث بون شاسع واسع النطاق لنموذج أنظمة الإدارة.

ومع ذلك فإن هناك الكثير مما يدعو للتفاؤل إذا أن التقنيات الجديدة والتغيرات الناشئة عن التطبيق الواسع لها سوف تتيح لأنظمة الإدارة في القرن الحادي والعشرين الفرصة، ليس فقط لتعمل بصورة أفضل، بل أيضًا وهو الأهم، لتقوم بإشراك المواطنين في الإدارة.

بَيْدَ أننا لا ينبغي أن نتجاهل الأخطار أيضًا إذ تبقى قضايا خطيرة دون حل، وفي مختلف أنحاء العالم، يشعر الناس بالقلق، عن حق من قدرة التقنيات الجديدة على تقويض خصوصياتهم.

ختامًا أقول:
إن في متناولنا إقامة أنظمة إدارة أعيد تنشيطها لتواكب العصر الرقمي. وعندما يقوم الشركاء والمواطنون والقطاع الخاص بإعادة تحديد أدوارهم وإعادة مشاركتهم فيها ستكون النتيجة أنظمة إدارة أفضل.

وبعد:
فإن هذه أبرز الجوانب الإدارية - حسب إجتهادي - للتقنية الحديثة التي تُعدُّ مطلبًا أساسًا من مطالب التغيير الإداري، وتلك أهم النتائج والتوصيات التي أراها مهمة لاستعراض الواقع واستشراف المستقبل في قطاع الإدارة ، ورسم صورة لانعكاسات المتغيرات المستقبلية، وبخاصة المتغيرات التقنية وثورة المعلوماتية على الإدارة وتطبيقاتها

إدارة التغيير أو تغيير الإدارة

إن إدارة وقيادة التغيير تعتبر حجر الزاوية في عملية التطوير الإداري بأوجهه المختلفة . وهي تعني قيادة الجهد المخطط والمنظم طمعاً في تحقيق أهداف التغيير من خلال التوظيف الصحيح عملياً للموارد البشرية والإمكانيات المادية والوسائل الفنية والتقنية المتوفرة في بيئة العمل .

وقد أوضحت الاتجاهات العالمية في التسعينات أهمية القيادة الإدارية للتغيير بأنها التوجه السائد لتطوير وتغيير أسلوب ومفاهيم العمل الإداري التقليدي في جميع المؤسسات العامة والخاصة حتى تواكب مجتمع القرن الحادي والعشرين، والاستجابة بطريقة أفضل لمتطلبات العصر وتحديات العولمة واستثمار التقنيات الحديثة لتوفير الوقت والجهد في مختلف الأعمال . وهذا يعني أن إدارة التغيير هي في الأساس عملية قيادة بالدرجة الأولى، وهي قوة تُؤثر في الموظفين وتحضهم على أن ينجزوا أهداف المؤسسة وأولوياتها، وبذل قصارى الجهود المستمرة لتطويرها .

ومن البديهي أن العمليات الإدارية لوحدها لا تُغيّر أو تُطوّر، ولكن الموظفين الذين يتدربون ويتعلمون هم الذين يستطيعون أن يغيّروا ويطوّروا . إذن فمن المهم أن تركز قيادة وإدارة التغيير على الإنسان طالما هو الأساس والطاقة للتطوير والإبداع والتقدم . وتعتبر قيادة التغيير عملية إدارية تعاونية آخذة في اعتبارها أن المساحة الحاضرة هي وقت المعلومات المتغير والتقنيات الاتصالية الحديثة التي تُوجب هندسة العلاقات الإنسانية كما تُوجب هندسة العمليات . وهذا يُلقى بتحدٍ أساس يتمثل في تطوير القيادة الإدارية التي تأخذ في اعتبارها استعداد القيادة في أن تتعلم وتتطور وتراجع خططها لتتوافق مع الاتجاهات والسياسات الجديدة والتقنيات الحديثة .

وللتحول والتغيير من الإدارة التقليدية القديمة المستبدة إلى الإدارة الحديثة يتطلب تفويض الصلاحية المطلقة للمدير القيادي بأن يمارس واجباته حسب خطط وأهداف المنظمة التي يرأسها بالتعاون مع أعضاء فرق العمل على أسس علمية ومهنية وإنسانية . وينبغي أن تُفعل هذه الأسس بأساليب ديمقراطية من شأنها أن تُعلى مبادئ الشورى ومشاركة كل الأطراف ذات العلاقة بالعمل الإداري .

ويبقى الهدف الرئيسي لكل قائد إداري ناجح في الوقت الحاضر - وقت التغيير المتسارع في مختلف مجالات الحياة - هو معرفة المهارات والمعارف والاستراتيجيات الضرورية لإحداث التغيير الإيجابي وتطبيقاته في العمل الإداري .

وتركز إدارة وقيادة التغيير على اتخاذ قرارات جماعية وتعتمد على نوع مختلف من الطاقة أو القوة لا تأتي من السلطات العليا ولكنها تبرز من خلال العمل التعاوني مع الآخرين، وتساعدهم على إيجاد مغزى عميق وأكبر لعملهم وتستثمر طاقتهم الفردية أو الجماعية بأفضل الطرق لتحقيق جودة العمل والتغلب على المشاكل بسهولة . وقيادة التغيير تستند على القيم والقناعات الشخصية وخصال القائد أكثر من استنادها على تبادل العملية الإدارية بين القادة والمرؤوسين . ومن سمات قيادة التغيير أنها تطوِّر المرؤوسين وتمنحهم حرية أكبر للتحكم في سلوكهم الخاص بهم . وهي تجمع الموظفين حول رسالة محددة وتُعرِّف الحدود التي يعمل داخلها الموظفون في حرية نسبية لكي ينجزوا أهداف المنظمة . وهي تنمي الوعي لدى الموظفين بأهمية الأهداف ونتائجها المرجوة لإحداث التغيير، وبدورها، تمكنهم من أن يتجاوزوا مصالحهم الذاتية المباشرة من أجل رسالة ومصلحة المنظمة .

ويمكن أن يحدث التغيير عندما يكون لدى الموظفين إحساس بالهدف ورؤية مشتركة لطبيعة العمل وبدونها لن يكون هنالك تغيير . وطالما أن الدولة توفر الموارد المالية لجلب التقنيات الحديثة فيبقى توعية المسؤولين وتدريب الموظفين على استخدام التقنية في العمل الإداري والاعتماد عليها لتسهيل أمور المواطنين الذين يتكبدون عناء السفر للتعقيب على معاملة في دائرة حكومية معينة .

فإلى حد الآن الإتصال الهاتفي للتعقيب على المعاملات أمر غير وارد لدى بعض الموظفين . واستخدام التقنية كالبريد الإلكتروني لاستقبال استفسارات المواطنين أو لإرسال النشرات والتعاميم للجهات الحكومية الفرعية غير معروف أو غير معترف به لدى كثير من القطاعات الحكومية .

وباختصار إذا استعدت الإدارة للتطوير وتبنت سياسة التغيير الإيجابي في العمل الإداري وإلا ُتغيّر الإدارة، وهذا ما يدل عليه المثل الإنجليزي (غيّر الناس أو غيّر الناس)، والمقصود تغير وتطوير ممارساتهم الإدارية من خلال التدريب والتثقيف، وإذا ما استجابوا لذلك فيستبدلون بطاقات بشرية أخرى . والجدير بالذكر أن إمارة المنطقة الشرقية أدخلت شبكة نظام الحاسب الآلي في أعمالها منذ زمن طويل ويتم إدخال بيانات المعاملات في الحاسب مما يمكن المواطن المراجع لمعاملة معينة من متابعتها بالهاتف .

وهذا عمل يجب الإشادة به لأنه يوفر على المواطن الوقت والجهد ولا يضطر لترك عمله أو مصالحه الخاصة والذهاب للمراجعة شخصيا . وكذلك الإدارة العامة للتعليم تستخدم البريد الإلكتروني لإرسال التعاميم والنشرات للمدارس .

فاستخدام التقنية في إنجاز المعاملات يوفر الوقت والجهد على الموظف والمستفيد . وقد دأبت بعض الجامعات والكليات على إتاحة الفرصة للطلاب والطالبات بالتسجيل في مواقعها على الإنترنت ولكن لا بد أن تعمم هذه الطريقة على كل المؤسسات التعليمية لتوفير الوقت والجهد ونفقات السفر على الطلبة ولتفادى التزاحم والاختناقات عند الأبواب .

وفي الختام، يلتمس المجتمع من إدارة التغيير بالتعاون مع الحكومة الإلكترونية الاستغناء عن خدمات (الملف الأخضر العلاقي) الذي يلازم الناس عند مراجعة الدوائر الحكومية أو تطويره إلكترونياً .

اهمية التغيير الاداري ...لماذا التغيير؟

ان التغيير الإداري كلمة لها مدلول كبير ، طالب بها الجميع ، ولم يمارسها بذكاء إلا أفراد محدودين ،أنها كلمة مدوية ، عشقها العلماء ، وهام بها الجهابذة العظماء ، ولم يفر منها إلا الحمقى والجهلاء.

لقد أثبت التاريخ أن الإنسان لا يمكن له أن يقيم حضارة أو يصنع مستقبلاً ما لم يغير من نفسه ابتداء ، ثم يسير جاداً في طريق التغيير حتى يغير من وما حوله ، وعندها سيجني الشهد ، وإن لم يفعل ذلك فما له غير العلقم .

إن سيدنا عمر بن عبد العزيز غير فأحسن التغيير ، إذ بنى دولة إسلامية لم يشهد لها التاريخ من بعدها مثيلاً ، فأمن الناس على أنفسهم وأهليهم وأعراضهم وأموالهم ، وعزوا فلم يجرؤ أحد على إذلالهم ، وفاض المال حتى لم يجدوا من يأخذه، وكل ذلك في سنتين لا غير!!

وهناك أمثلة أخرى كثيرة تشير إلي أن عملية التغيير ضرورة وإنها تتطلب رجال عقلاء أذكياء ، لهم همم عالية ، لا يرضيهم الواقع المعوج ، ولا يركنون إلي الحال الرديء ، وإنما نفوسهم متعلقة في السماء وهممهم كالجبال الشم الشامخات ، وهم في حركة دائبة ، لا يكل أحدهم ولا يمل.

أبعاد التغيير:-

بالرغم من أهمية التدريب على عملية التغيير إلا أنه لطالما عقدت دورات وبرامج تدريبية لم يكن لها الأثر الواضح في تغيير سلوكيات العاملين ، وذلك لأن تغيير السلوك يتأثر بعوامل كثيرة منها: بيئة العمل ، المناخ التنظيمي ، طبيعة الرؤساء ، اللوائح والأنظمة المتبعة ، أسلوب الإدارة،..وفيما يلي نعرض بعض أبعاد التغيير:-

•كلما كانت العوامل المؤيدة لعملية التغيير أكبر ، دل ذلك على زيادة فرص نجاح عملية التغيير وتقليل المقاومة لها.

•إن عملية التغيير قد تكون جذرية وليس مجرد تطوير أو إصلاح ، كما أن التغيير قد يكون تراجعاً إلي الوراء أحياناً.

•التغيير يحتاج إلي جهود وخطط وإمكانات ومهارات كثيرة ، وليس فقط معرفة الصواب والاقتناع به.

• إن أفضل طريقة لمواجهة المقاومة هو إقناع الأفراد بأهمية التغيير ، ولا يأتي الحسم إلا عند العجز تماماً عن الإقناع.

• إن التغيير ليس مجرد ردود فعل واستجابات، وإنما هو أيضاً عملية جذرية تخطيطية يمكن بها إدارة المستقبل والتقدم على المنافسين .

•إن التغيير هو السهل الممتنع ، فهو سهل من الجانب النظري وصعب من الجانب التطبيقي.

• شخصية قائد التغيير ونفوذه وصفاته القيادية ، كل ذلك له أثر كبير في نجاح أو فشل التغيير.

• التغيير منحة وليس محنة ، وإن بدا للوهلة الأولى بأنه محنة فإن عاقبته (غالباً ) منح كثيرة.

• التغيير إرادة وإدارة في آن واحد.

• التغيير في الإمكانات المادية والمعنوية.

•التغيير في المسؤوليات والصلاحيات.


قوى التغيير:-

للعملية التغييرية قوى ينبغي توافرها حتى يتمكن قادة التغيير من تحقيق ما تصبوا إليه نفوسهم ، ومن أبرز هذه القوى ما يلي:-

السلطة: وذلك ليكون التغيير شرعياً وقانونياً ، علماً بأن السلطة يمكن أن تتحصل بالإقناع أو بالانتزاع . والإقناع قد يكون بالحجة والبرهان وقد يكون بتبيان الخسائر التي ستلحق بصاحب السلطة إذا لم يغير.

الألـــــم: وهو الشعور بأن الواقع مؤلم جداً ، حيث ما لم يشعر المغيرون بمرارة الواقع فإن حماسهم تجاه التغيير سيكون فاتراً .

الرؤيـــــة : بأن يكون لقادة التغيير تصور واضح للمستقبل المنشود.

النظرة البعيدة: وذلك بأن يكون لقادة التغيير فهم وإدراك ووضوح لآثار المستقبلية لعملية التغيير.

المـــوارد: حيث أن التنفيذ الناجح للتغيير يحتاج إلي موارد وإمكانات مادية وبشرية.

الترغيب والترهيب: وهو الاستعداد والقدرة على تحفيز المتفاعلين مع التغيير ومكافأتهم ، وكذلك القدرة على تهديد المقاومين للتغيير ومعاقبتهم.

مراقبة الخطط: وهو الالتزام بمراقبة الأداء أثناء عملية التغيير وتحديد المشكلات والسعي لحلها.

القيادة التحويلية

مفهوم القيادة التحويلية: هي القيادة التي تضع رؤية واضحة لمنظماتها وتعمل على إيجاد أنظمة تنظيمية جديدة كليا تتوافق مع متطلبات المستقبل .

أبعاد القيادة التحويلية: تتكون القيادة التحويلية من أربعة أبعاد رئيسية :
1. التأثير الكارزماتيكي : يعني إيجاد القائد لرؤية واضحة وإحساس بالرسالة العليا للمنظمة وتنمية الثقة لديهم .
2. الدفع والإلهام : هي قدرة القائد على إيصال توقعاته العالية للآخرين واستخدام الرموز لتركيز الجهود والتعبير عن الأهداف المهمة بطرق بسيطة .
3. التشجيع الإبداعي : قدرة القائد ورغبته في جعل أتباعه يتصدون للمشكلات القديمة بطرق جديدة وتعليمهم النظر إلى الصعوبات بوصفها مشكلات تحتاج إلى حل والبحث عن حلول منطقية لها.
4. الاهتمام بالمشاعر الفردية : تعني اهتمام القائد بمرؤوسيه (التشجيع ، التوجيه ، النصح ..).

مهام القائد التحويلي:
1. إدراك الحاجة إلى التغيير .
2. تحديد الرؤية أو صورة المستقبل المنشود ، فالقائد يوضح للأتباع الهدف النهائي الذي يسعون لتحقيقه.
3. إيصال الرؤية للأتباع ، ما قيمة الرؤية مهما كانت رائعة ومرغوبة إذا لم تصل للأتباع بشكل مفهوم وواضح كي يؤمنوا بها ؟
4. تطبيق الرؤية ، فالقائد الذي يسعى للحصول على احترام الأتباع وتفاعلهم معه لا يكتفي بشرح الرؤية بل يعيشها ويطبقها، ويتأكد من تطابق كل الأعمال مع هذه الرؤية والقيم والمبادئ.
5. رفع التزام الأتباع تجاه الرؤية. بعد أن يحدد القائد الرؤية ويوصلها لأتباعه ويطبقها على نفسه تصبح مهمته زيادة التزام أتباعه بها.

وتكون القيادة التحويلية أكثر فعالية: عند تأسيس المنظمات، وفي فترات الانتقال والتغيير والتحول، وعند المصائب والكوارث والأزمات

اخلاقيات العمل والادارة عند الاجانب

قد يتصور بعض العاملين والمديرين والمستثمرين من أن العمل والإدارة والاستثمارلا يَخضعون لأي أخلاق في العالم المتقدم. فهناك من يظن أن الأجانب يعتبرون ان العِبرة بالمكسب والخسارة وأن اتباع الأخلاق في هذه الامور هو أمر ساذج. هذا الاعتقاد لو صح فإنه لايُعفينا من ان أن نتبع الأخلاق في عملنا فما بالك وهذا الاعتقاد لا أساس له من الصحة ومخالف مخالفة كبيرة للواقع. أحاول في هذه المقالة توضيح ما تعنيه اخلاقيات العمل عند الأجانب لتوضيح الأمور والرد على هذه المقولة
خلط الأمور
نحن في بلادنا العربية لدينا تحفظ شديد -محمود بالطبع- في العلاقة بين الرجال والنساء وذلك نابع من ديننا وعاداتنا. في كثير من دول العالم المتقدم صناعيا لا تكون هذه التحفظات موجودة بنفس القدر الذي يوجد في بلادنا. وإن كان لابد من ذكر أن هناك في ذلك العالم المتقدم من يكون لديه تحفظات مشابهة لتحفظاتنا. ونتيجة لهذا الاختلاف فإننا أحيانا نُعمم الامر فنفترض أننا ندعو للأخلاق الحميدة وباقي العالم يدعو للرذيلة. ولكننا بذلك نتغافل -عمدا او خطأ- عن أننا لسنا الوحيدين في هذا الكَون الذين يعتقدون بأن العدل والأمانة والصدق والإخلاص هي من الفضائل التي ينبغي أن يلتزم بها أي إنسان. ومن هنا نتصور أن هذه الأخلاق لايدعو إليها الأجانب ولا يلتزمون بها. هذا أمر غير صحيح فهذه الاخلاقيات والفضائل هي محمودة في المجتمعات المتقدمة بل وتلقى اهتماما كبيرا
هناك تصور آخر وهو أننا في بلادنا العربية نستقي أخلاقنا من ديننا وبما أن الكثيرين في العالم المتقدم لايدينون بدين فهم لا يعترفون بالأخلاق الحميدة. هذا اعتقاد خاطئ. أولا: ليس كل أبناء العالم المتقدم ممن لا يؤمنون بالله بل منهم المسلمون والنصارى واليهود وغيرهم ومن هؤلاء من يلتزم بما يعتقده إلتزاما شديدا وذلك يشمل الأخلاقيات. ثانيا: نعم هناك في العالم المتقدم من لايؤمن بالله أو من لايلتزم بدينه ولكن ذلك لايعني أنه عديم الأخلاق وأنه يفتخر بكونه كذاب او مخادع أو خائن. الأخلاق الحميدة مثل الامانة والصدق والوفاء بالعهد هي من الأمور التي يعترف بها الجميع. نعم الدين هو دافع قوي جدا للالتزام بالأخلاق ولكن هذا لايعني أن الملحد يؤمن بوجوب انعدام الأخلاق. هذا بالطبع بالنسبة للأسوياء والأكثرية في كل مجتمع وقد يكون هناك قلة شاذة ومُنحطة في أي مجتمع
هناك حالة مماثلة في تاريخنا كعرب. ألم تسمع عن العرب قبل الإسلام وما كانوا فيه من فساد في الاعتقاد وعبادة للأوثان وانتشار لرذائل كثيرة. ولكنك في نفس الوقت تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمى الصادق الأمين من قبل البعثة وكان ذلك محمودا لديهم. كذلك من المعلوم أن صفة الكرم كانت محمودة لديهم وكذلك صفة الصدق. وكذلك صفات الشهامة والوقوف بجانب الضعيف.
خلاصة القول هو أن الأخلاق الحميدة مثل الصدق والأمانة والوفاء بالوعد وعدم الغش وعدم الخداع هي من الامور المحمودة عند المجتمعات المتقدمة. لاحظ ان هذه الاخلاقيات هي أخلاقيات العمل الأساسية. قد يكون الدافع للالتزام بالأخلاق مختلفا من شخص لآخر فهذا يعتبرها جزءا من الدين وهذا يعتبرها أمرا محمودا وهذا يخاف أن يحتقره الآخرون وهكذا. ولكن على أي حال لن تجد مجتمعا يفتخر بكونه مجتمعا كذابا ولا يعترف بالأمانة. لماذا؟ لأن كل المجتمعات تعلم أن هذه صفات سيئة لا يُمدح عليها الإنسان بل يُذم. وبالتالي فإخلاقيات العمل الأساسية هي فضيلة عند كل المجتمعات
اهتمام الجامعات الاجنبية بأخلاقيات العمل
تلقى الاخلاقيات التي ذكرناها اهتماما كبيرا في الجامعات في الدول الاجنبية. فتجد أن تدريس مادة في أخلاقيات المهنة أمرا شائعا. وكذلك في كليات الإدارة والتجارة تجد أن أكثر الجامعات تُدرِّس مادة في أخلاقيات العمل والإدارة. بالإضافة لذلك فإنه يتم التطرق في بعض الأحيان لأخلاقيات المهنة في أثناء دراسة المواد الأخرى. يمكنك الاطلاع على مثال لهذه البرامج من خلال الرابط التالي والذي يعرض مادة أخلاقيات الهندسة والتي تدرس لطلبة الهندسة في جامعة أمريكية مرموقة
أخلاقيات الهندسة في M IT
أما في مجال دراسة إدارة الأعمال فإنه من الشائع في الجامعات الأوروبية والأمريكية أن تكون هناك مادة متعلقة بأخلاقيات العمل. هذه المادة تكون إجبارية في بعض الجامعات وتكون اختيارية في بعض آخر. الموقع التالي يعرض في صفحته السابعة معلومات عن مادة اخلاقيات العمل في مجموعة من الجامعات في برامجماجستير إدارة الأعمال MBA
Enhancing the MBA
وللتأكد من ذلك يمكنك الاطلاع على الروابط أدناه لجامعات أوروبية وأمريكية والتي توضح وجود مادة دراسية خاصة لأخلاقيات العمل والإدارة
London Business School
Wharton Business School
Purdue University
لا تكتفي الجامعات بتدريس أخلاقيات العمل بل إنها تتفاعل مع مشاكل العمل الأخلاقية ويدفعها ذلك لتطوير أسلوب تدريس أخلاقيات العمل. المقالة التالية توضح اهتمام الجامعات بتطوير برامجها لأخلاقيات العمل في برامج دراسة الإدارة لمواجهة المشاكل الاخلاقية والقانونية التي وقع فيها بعض الحاصلين على شهادات في إدارة الأعمال
Ethics move to head class
بل ويصل إلى الأمر إلى المطالبة بتدريس أخلاقيات العمل للطلبة بدايةً من مراحل التعليم الإبتدائية والإعدادية (المتوسطة). المقالة التالية توضح ذلك
Interview: Tom Rowley, Junior
وبغض النظر عن هذا الاقتراح فإن أخلاقيات العمل تجد جذورها بالفعل في الخارج منذ الدراسة الإبتدائية وذلك بأن ينشأ الطالب على أن الغش في الامتحانات أو نقل الواجبات هي عملية لا يصح ان يقوم بها الشخص السوي ويتم التعامل مع هذا الأمر بصرامة في المدارس والجامعات. كذلك يعتاد الطلبة على احترام حقوق الآخرين في أبسط الأشياء مثل الانتظار في الطابور والالتزام بقواعد المرور في الطريق. فهذه الأشياء البسيطة تؤخذ بجدية شديدة جدا وبالتالي يترعرع الطالب وهو يحترم فضيلة الصدق والعدل والأمانة وأداء الواجب وهذه هي محاور أخلاقيات العمل.
اهتمام الشركات الاجنبية بأخلاقيات العمل
لا يتوقف أمر أخلاقيات العمل عند المدارس والجامعات بل يأخذ الأمر شكلا رسميا وقانونيا في الشركات. فتجد أن الشركات تضع لنفسها ميثاق الأخلاق أو Ethics Cdoe. هذا الميثاق يُوضح الأعمال التي تُعتبر غير أخلاقية في هذه المؤسسة وبالتالي يكون لزاماً على العاملين الالتزام به ومحاسبتهم عند الخطأ. وجود هذا الميثاق يجعل الأمور واضحة بحيث لا يَدَّعِي العامل أنه ظنَّ أن الأمر يعتبر مقبولاً أخلاقياً من وجهة نظره وكذلك فإن هذا الميثاق يجعل الأمر إلزامي ولا يعتمد على شخصية العامل والتزامه بالأخلاق. ولذلك فقد تلاحظ في الدول الأجنبية أن بعض العمال قد يكونون خارج العمل أشخاص غير مستقيمين ولكنهم في العمل يؤدون العمل بنفس المستوى والأخلاقيات التي يؤدي بها أي شخص آخر.
لتوضيح والتدليل على وجود هذه المواثيق وضعتُ أدناه بعض الروابط لمواثيق الأخلاق في بعض الشركات من شركات سيارات إلى شركات توليد الطاقة إلى مؤسسات ترفيهية إلى مؤسسات صحفية. أنصحك بالنظر ولو سريعا في بعض هذه المواثيق لتتعرف على أهم محتوياتها
DaimlerChrysler AG’s Code of Ethics
Code of Ethics- Scottish Power
Ethics at work - Belleveu Community College
Codes of Conduct for Directors - Disney
Ethical Journalism - New York times

من أخلاقيات العمل التي تسمع عنها كثيرا بالخارج:
• عدم وجود تضاد في المصالح Conflict of Interest مثل أن تعمل في مؤسسة وتعمل مستشارا لمورديها أو تتقاض هدايا او أجراً من منافسيها أو تتملك حصة في شركة تعمل كمنافس أو عميل او مرد للشركة التي أعمل بها. من الامور المحددة في ميثاق شركة كريزلر - الرابط موجود في القسم السابق- أن المديرين لا يجوز لهم تملك ما يزيد عن واحد في الألف من أسهم أي شركة منافسة أو موردة أو عميلة للشركة
• عدم الغش والخداع والكذب بأي نوع ومع أي جهة. فلا يجوز للبائع أن يخدع المشتري ولا للشركة أن تخدع مورديها ولا للمتقدم لوظيفة أن يخدع شركة التوظيف ولا للمرؤوس أن يكذب على رئيسه والعكس
• الحفاظ على البيئة بمعنى عدم تلويث البيئة بمخلفات الإنتاج ويشمل عدم تلويث الهواء والبحار والأنهار والأرض. لذلك تجد الشركات تشير في مواقعها على الشبكة الدولية لما توليه من عناية بالبيئة وما تقوم به للمحافظة عليها
• عدم تشغيل الأطفال باعتباره استغلالا للأطفال وتعويق لهم عن التعليم الإلزامي يالإضاة إلى أنه غالبا ما يشتمل على تعرض الأطفال لمخاطر أو استغلالهم في أعمال غير آمنة
Child Labor -UNICEF
• عدم استخدام معلومات غير متاحة للعامة لتحقيق مكاسب من التجارة في البورصة وهو ما يسمى Insider Trading أو تجارة العليم ببواطن الأمور. فلا يمكن للعامل في الإدارة المالية في شركة أن يقوم بالتخلص من أسهمه في الشركة بالبيع حين يعلم ان الميزانية التي سوف تعلن على المساهمين ستوضح خسارة الشركة ولا أن يخبر أحدا بذلك للاستفادة من هذه المعلومة. لماذا؟ لأنه استغل معلومات غير متاحة للعامة وبالتالي أخل بتكافؤ الفرص في سوق الأسهم. هذا الأمر قد يؤدي إلى السجن.
Insider Trading - US SEC

• احترم حقوق الملكية الفكرية مثل حقوق الطبع وحقوق براءات الاختراع فلا يسمح بنسخ البرامج الإلكترونية ولا إعادة طبع كتاب بدون إذن مؤلفه ولا بالنقل من كتاب بدون توضيح الجزء المنقول ولامصدره. عدم الالتزام بذلك قد يؤدي إلى فصل طالب من الجامعة بل فصل أستاذ من الجامعة
• عدم حصول الموظفين على هدايا سوى ما تسمح به اللوائح فبعض الشركات قد تسمح للموظفين بقيول هدايا في حدود قيمة مالية محددة مثل عدة دولارت أو بمعنى آخر بأنه يسمح بقبول هذايا رمزية فقط. أي مخالفة لذلك تعتبر إخلالا بالامانة وقد يترتب عليها فصل العامل بمعنى طرده من العمل
• عدم تقاضي رشوة….هذا أمر واضح
• عدم التفرقة في التوظيف والترقية والتدريب وأي معاملة في العمل بناء على لون أو نوع أو ديانة أو أصل العامل أو المتقدم للعمل. فلا يمكنك أن ترفض شخصا لأن أصله من بلد محدد طالما هو يتمتع بحقوق العمل في هذا البلد. وكذلك لا يمكنك رفض شخص أو عدم ترقيته لأنه من الملونين أو لأنه كبير في السن أو صغير في السن.
• عدم التفريق في التعيين والترقيات وخلافه بناء على وجود إعاقة غير مؤثرة في العمل بمعنى انك لا تستطيع رفض شخص تقدم لوظيفة بسبب وجود إعاقة ما لم تكن هذه الإعاقة تمنعه عن أداء العمل. ولذلك تجد في الخارج معاقين يعملون في مجالات مختلفة. أذكُر على سبيل المثال حين كنتُ أستذكر في الجامعة في الولايات المتحدة ووجدتُ مندوبا من الحي أو المحافظة أو البلدية يطلب مني ملأ استطلاع رأي عن الخدمات في منطقة ما لتطويرها. هذا المندوب كان يتحرك على كرسي متحرك. كذلك أذكر طلبة في نفس الجامعة كانوا يدرسون على الرغم من ان إعاقاتهم كانت بالغة بحيث لا تتصور لهذا الشخص أن يكون طالبا جامعيا. فالأمر لا يتوقف عند مجرد تعيين نسبة من المعاقين لكي يتقاضوا مرتبا بل توفير فرصة عمل حقيقية باعتبار أن هذا الشخص من حقه أن بعمل
• الصدق والدقة في التقارير وأهمها تقارير الشركات السنوية وما تحتويه من قوائم مالية. هذا أمر قد يترتب على مخالفته الفصل والعقوبات مثل الحبس. هذا الأمر يُقابل باستهجان كبير من العامة عند اكتشافه لأنه عمل غير أخلاقي ويضر بمصالح الكثير من الناس الذين يستثمرون في هذه الشركات. لاحظ أن المستثمر هنا لا تنحصر في الأثرياء ولكنها تشمل الشخص العادي الذي يشتري بضعة أسهم هنا وهناك. هذا المستثمر يعتمد على القوائم المالية للشركة في تقرير شراء أو بيع الأسهم. ولذلك فحين تكون هذه التقارير كاذبة فإن هذا الشخص يخسر أمواله
• الحفاظ على أمان وصحة العاملين فتجد انظمة الأمان في العمل لها احترام عظيم
• احترام سرية بعض المعلومات الخاصة بالمؤسسة وعدم إعلانها
• عدم استخدام موارد المؤسسة في المصالح الخاصة
• عدم السرقة أو أخذ أموال من الشركة أو المؤسسة بغير حق
وهل لا توجد تجاوزات؟
بالطبع لا يخلو الأمر من تجاوزات ولكن المسائل المتعلقة بأخلاقيات العمل تقابل بجزاءات رادعة وباحتقار من المجتمع. فمن الأشياء التي تلاحظها أن الشخص المخالف لا يجلس وسط أقرانه لكي يحدثهم كيف كذب على الآخرين وكيف خدعهم لأن هذا سيقلل من قيمته في نظرهم ولا يأمن أن يفضحه أحدهم. ولا تجد شخصا يجلس وسط الناس ليفتخر بأنه متهرب من الضرائب أو أنه استطاع أن يخدع زملاءه أو مديريه لأن هذا أيضا سيقابل بالاحتقار.
وبعد؟
أردت بذلك الرد على من يدعي أنه لا أخلاق في العمل والاستثمار بحجة ان هذا ما يفعله الأجانب. ولسنا بحاجة لاستيراد أخلاقيات العمل من الخارج لأننا عندنا في ديننا ما يحض على الأخلاق في العمل والبيع والشراء والإدارة