الاثنين، 23 أغسطس 2010

التقنية الحديثة مطلب من مطالب التغيير الإداري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،، أما بعد:

في عالم اليوم، يضطر العديدون أن يسلّموا بأن الفتوحات التقنية الجديدة المهمة قد غيّرت مؤقتًا ميزان القوى العسكرية والاقتصادية، وحتى بقاء كوكبنا نفسه أصبح موضوع بحث. ومع ذلك فالعديدون منا يفترضون أنه مهما غيّرت التقنية الوسائل التي تمارس الأمم بموجبها مصالحها السياسية الجغرافية، فإن تلك المصالح نفسها تظلّ على حالها. على أن هذا الرأي لا يصدق دائمًا.

إن التطورات المضافة في العلم والتقنية التي غالبًا ما نلخصّها بعبارة "ثورة المعلومات" غيّرت شكل واتجاه الأحداث الوطنية والدولية بطرق أساسية؛ فنحن نشهد ثورة في العلاقات بين الدول ذات السيادة وفي العلاقات بين الحكومة والمواطنين وبين هؤلاء المواطنين وأقوى المؤسسات الخاصة في المجتمع.

إن ثورة المعلومات تشكّل تهديدًا عميقًا لبُنى القوى في العالم، ولسبب وجيه. فطبيعة الدولة وسلطاتها ذات السيادة تتغير بل تتعرض للخطر بطرق أساسية، كما أن خريطة العالم السياسية الجغرافية يعاد رسمها. فعناصر توازن القوى التي سيطرت في الأربعين سنة الماضية قد أصابها الخلل بصورة دائمة، كما أن مؤسسات أخرى في عالمنا، وعلى رأسها شركات الأعمال، تواجه تحديات، بنفس القوة، لأسلوب عملها وستخضع لتغييرات عميقة مؤثرة.

ولا تزال ثورة المعلومات، رغم كونها أكثر الثورات ذكرًا في التاريخ، تُفهم فهمًا قليلاً. فالكثير من التجديدات التي أعلن عنها بأعلى الأصوات، لم يتحقق حتى الآن: المجتمع بلا شيكات، والمكتب بلا أوراق، والجرائد التي تصل عبر تلفزيون الكوابل، وطائرة حوّامة (هليكوبتر) في فناء خلفي لكل بيت.

يقول ولتر رستون في كتابه: "أفول السيادة": يُنظر إلى ثورة المعلومات عادة على أنها مجموعة تغييرات تحدثها تقنية المعلومات. وأهم تغييرين اثنين منها: تقنية الاتصالات الجديدة لبث المعلومات وأجهزة الحاسوب لمعالجتها.

فالمعرفة في واقع الأمر تعني الإطلاع على الوقائع والحقائق، أو المباديء عن طريق الدراسة أو البحث. كذا بالإمكان اعتبار المعرفة تعبيرًا منطقيًا لما نطبقه على العمل في إنتاج الثروة، فالمعرفة هي المصدر النهائي لقيمة في عمل.

إن أرنبًا يركض طليقًا في حقل ليس ثروة. بل يُصبح ثروة نتيجة لمعلومات تطبق على عمل صيّاد: معلومات عن مكان الطريدة، وكيفية مطاردتها، وكيفية رمي حربة أو إطلاق سهم وطريقة صنع السهم أو القوس أو الحربة. إن ما سبق من المعلومات إذا أخذت وطُبقت على عمل الصياد، تنتج قيمة، أي غذاء للصياد ولعائلته أو للمجتمع كله.

وتجدر الإشارة إلى أن لدى الاقتصاديين اسم للعمل الذي يقوم به الصيّاد لتحويل الأرنب إلى شواء: القيمة المضافة، وحتى في العصور القديمة، كان قسم كبير من تلك القيمة المضافة عملاً فكريًا: معرفة الصياد ومهارته، ومع ذلك، كان معظم القيمة المضافة - ماديًّا - أيامًا طويلة في الحقل لمطاردة الأرنب، وجهودًا شاقة طويلة الأمد في تشكيل حربة أو قوس، وشحذ سهم أو رأس حربة. وبالطبع، كان الأرنب يوفّر القيمة الأصلية للصفقة.

إن التقدم الاقتصادي، بصورة كبيرة، هو عملية زيادة المساهمة النسبية للمعرفة في إيجاد ثورة؛ فقيمة سنبلة من حبوب برّية يحصدها صيادون كانت مادية بشكل تام تقريبًا، هبة من الخالق سبحانه، وبمجيء الثروة الزراعية، تصبح سنبلة من القمح المهجّن مزروعة في حقول مسيّجة وخاضعة لدورات زراعية ومسمّدة ومروّية بعناية، تصبح إلى حد كبير جدًا إنتاجًا مستمدًا من العقل، كما أن الثروة الصناعية طوّرت العملية أكثر عندما زاد الناس من قدرتهم على معالجة المادة وتشكيلها طبقًا لاحتياجاتهم.

وفي زماننا هذا، ازدادت أهمية مكونات المعرفة لكل التقنيات زيادة واسعة، وكما أشار جورج جلدر فإن تقنية عصر المعلومات والشريحة الدقيقة ومكونات كل الاتصالات العصرية الأساسية وتقنية الحاسوب تتألف تقريبًا بالكامل من معلومات.

إن لتقنيات المعلومات التي وفرتها الشريحة تأثيرًا عميقًا على معدّل التقدم في معظم العلوم. إذ أن الحسابات التي كانت تستغرق سنوات، يمكن القيام بها في دقائق.

والمعرفة العلمية تتضاعف حاليًا كل خمسة عشر عامًا تقريبًا. وهذه الزيادة الكبيرة في المعرفة تجلب معها زيادة ضخمة في مقدرتنا على معالجة المادة بزيادة قيمتها بقوة العقل.

إن عالم العمل ودراما الإنتاج الاقتصادي والأساس الجوهري لوجودنا المادي الذي تسيّطر عليه منذ عدة قرون قوى الصناعة العمياء، أصبحت تسيطر عليها الآن تقنيات وعمليات تتألف من العقل أكثر مما تتكون من المادة، وهذه التقنية والعمليات أسرع وأكثر تحركًا، وأقل اعتمادًا على موارد طبيعية أو أجهزة مادية أو عمل بشري مما كانت عليه في الماضي القريب.

نحن الآن وسط ثورة تقنية واقتصادية هائلة ومع ذلك، فنحن معتادون على استعمال المقاييس الاقتصادية والاجتماعية التي طوّرت العالم نحو العالم الصناعي والعصر المتقدم الحديث، حتى إننا قلما نتوقف لنفكر بأن المقاييس القديمة للتقدم والانحلال والنجاح والفشل آخذة في فقدان فائدتها، فالكثير من الهستيريا الاقتصادية أصبحت خلفية متواصلة لمناقشات مقاييسنا الاقتصادية.

ويبدو أن الفائدة المتناقصة لهذه المقاييس هي أحد الأسباب التي جعلت العديد من اقتصاديينا الجيّدين جدًا مخطئين بشأن اتجاهات الاقتصاد المستقبلية.

إن اقتصاد المعلومات هو اقتصاد عالميّ بصورة لا يمكن التحكم به، ويعود هذا جزئيًا إلى أن التجارة بالمعلومات التي تقيّدها الجغرافيا أو تثقلها المادة قليلاً هي عالمية. واقتصاد عالميّ حقيقيّ جديد، على عكس اقتصاد الماضي القريب، متعددّ الجنسيات، يتطلب تنازلات من السلطة الوطنية. اقتصاد كهذا، لا يمكن احتواءه حقًا أو السيطرة عليه باستراتيجيات تجارية أو وقائية.

لقد حولتنا التقنية إلى مجتمع "عالمي" بالمعنى الحرفي للكلمة. وسواء كنا مستعدين لذلك أم لا، فإن لدى الجنس البشري الآن سوقًا ماليًا ومعلوماتية دولية متكاملة قادرة على تحويل الأموال والأفكار إلى أي مكان على هذا الكوكب خلال دقائق. فرأس المال سيذهب إلى حيث توجد حاجة إليه، ويبقى حيث يُعامل جيدًا.

كما أن تدفق المعلومات لن يختفي، بل سيزداد. فسلسلة جديدة من الابتكارات في أجهزة البث التليفزيوني تحوّل العالم كله إلى سَبْق صحفي محلي، فقد أصبحت أخبار التليفزيون طريق معلومات ذات كفاءة عالية، حتى إنّ التليفزيون تطوّر ليصبح قوة في الشؤون الدولية وسلاحًا في الدبلوماسية.

ورغم ما كُتب وقيل عن ثورة المعلومات، إلا أن العديد من الناس لم يواجهوا حتى الآن كيف غيّرت هذه الثورة الاقتصاد. فـي الوقت الذي يدركون فيه أن أجهزة الحاسوب والاتصالات السلكية واللاسلكية قد أصبحت قوى اقتصادية فعّالة.

إن العالم يتغير، ليس لأن مشغلي أجهزة الحاسوب حلّوا محل الكتبة الطابعين وأصبح بإمكانهم إنتاج عمل أكثر في وقت أقل، بل لأن الكفاح البشري للبقاء والازدهار يعتمد الآن على مصدر ثروة جديد كليًا، ألا وهو المعلومات.

إذن الفرق بين الاقتصاد الصناعي القديم واقتصاد المعلومات الجديد هو فرق كمي، وليس مجرد فرق نوعي.

ومن ثم، فإن تقنيات المعلومات قد أوجدت اقتصادًا جديدًا بصورة كلية، اقتصاد معلومات يختلف عن الاقتصاد الصناعي، بنفس درجة اختلاف الاقتصاد الصناعي عن الاقتصاد الزراعي. وعندما يتغير مصدر ثروة الأمم تتغير سياساتها كذلك.

لقد غيرت الثورة الصناعية مصدر الثروة، فحوّلت أكوام الصخر والمواد الخام إلى ثروات من الفولاذ والبخار.

وحتى عندما أعطت قيمة لموارد طبيعية كانت في السابق مهملة، زاد التصنيع بدرجة درامية قوة الدولة الوطنية، ليس فقط بزيادة إيراداتها، بل بتوسيع سلطتها التنظيمية والأسلحة اللازمة للسيطرة على هذه الموارد والمناطق التي تضمها أيضًا.

ختامًا أقول: إن العالم بحاجة ماسة إلى نموذج من اقتصاد معلوماتي ستخطّط أشكاله ووظائفه، فقد أصبحت الآن القواعد والعادات والمهارات والمواهب اللازمة لكشف وتصيّد وإنتاج وحفظ واستغلال معلومات، أهم قواعد وعادات ومهارات ومواهب الجنس البشري...


صناعة المعلوماتية
تعد المعلوماتية اليوم في ظل التغيرات التقنية المتطورة أساس وعماد الاقتصاد الحديث؛ فالتطورات العلمية الحديثة ترتبط بأنظمة المعلوماتية والاتصالات. وتعتمد المعلوماتية في انتشارها على أنظمة المعلومات، فكلما تقدمت هذه الأنظمة وارتفعت، أتيح للمجتمع أن ينمو ويتطور ويتقدم. وأصبح من المسلّم به الآن أن "برامج المعلومات" تعد قيمة غير تقليدية نظرًا لاستعمالاتها المتعددة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

وهذه القيمة المتميّزة لبرامج المعلومات تجعلها محلاً للتداول، في سوق يدور فيها الصراع حول مبالغ هائلة.

يقول د. السيد عطية عبدالواحد في كتابه: "الآثار الاقتصادية والاجتماعية للمعلوماتية": ترجع أهمية سوق المعلوماتية إلى تنوع التطبيقات المعلوماتية المنتشرة في كافة المجالات ذات البُعد الاقتصادي.

وللبرهنة على أهمية المعلوماتية، ينبغي الأخذ في الحسبان أن أي تطبيق معلوماتي، أو المعلوماتية بشكل عام، يعتمد على البرنامج المعلوماتي.

ويُعدّ البرنامج المعلوماتي عنصرًا أساسيًا وشريكًا في أنظمة المعلومات، وفي المجالات الصناعية المتعددة.

إن برامج المعلومات تلعب دورًا فعالاً ومؤثرًا في المجالات الطبية الحديثة، وعلوم الفضاء، والأسلحة الإلكترونية، والأعمال الإدارية، وغيرها من الأعمال.
لقد نمت صناعة المعلوماتية نموًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، ومازالت مستمرة في نموها وتطورها. وهي مثال بارز لصناعة التقنية المتطورة التي تحتاج لاستثمارات ضخمة من رأس المال وعمالة مدرّبة على مستوى رفيع لتطوير هذه المنتجات.

وطبيعة المعلوماتية ونموها السريع كصناعة وتنوعها، أدى إلى ظهور كثير من المشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

لقد تعددت استخدامات المعلوماتية في معظم المجالات، لا سيما في الدول المتقدمة، فازداد استخدام الحاسب الآلي في مجال التعليم والبحث العلمي والصحة والجيش والشرطة والعدالة والأعمال المصرفية.

ولا عجب، فإن استخدام الحاسب الآلي في المجالات المتعددة، من شأنه أن يوفر الوقت والجهد والمال، ويختصر المسافات، ويحث التقدم الحضاري في المجالات المختلفة.

إن التطور الاقتصادي الذي يشهده المجتمع الدولي حاليًا يدفع كثيرًا من الشركات والمؤسسات العاملة في مجال المعلوماتية إلى ضرورة تحديث وتطوير طرق عملها وتقنياتها، لقد أصبح سائغًا أن يقاس مدى تقدم الأمم بمدى أخذها بأسباب التطور التقني. وأصبح التفوق في صناعة المعلوماتية بمثابة الجسر الذي عبرت من خلاله العديد من الدول من أزمتها إلى التقدم والثروة والنجاح.

لقد أحدثت المعلوماتية انقلابًا خطيرًا في مختلف جوانب الحياة، وهو انقلاب لا يقل في أثره عن آثار الثورة الصناعية، فكما غيّرت الثورة الصناعية من البنية الاقتصادية والاجتماعية في القرن الثامن عشر، فإن المعلوماتية هي الأخرى استطاعت أن تغيّر من البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المعاصرة، لذلك يطلق على العصر الإلكتروني هذا مسميات متعددة مثل عصر ما بعد الصناعة، وعصر الثورة العلمية والتقنية، وعصر المعلومات العالمي.

والملاحظ أن المعلوماتية قد أثرت على العمالة بصور متعددة، كذا أثرت على شكل علاقات الإنتاج القائمة، وعلى الأعمال المصرفية؛ ففي دول العالم الثالث يتم إصدار الشيكات عادة يدويًا في كافة مراحلها، ولكن في الدول المتقدمة فالأمر جدّ مختلف، لأن الاعتماد على النقود الكتابية (الشيكات) يكون بصورة كبيرة على حساب النقود الورقية. ولا عجب، فإن إدخال المعلوماتية (برامج المعلومات) في هذا المجال من شأنه أن يؤدي إلى سرعة إنجاز المعاملات بالقدر اللازم لتيسير المعاملات اليومية والمستمرة للبنوك، ومن ثم، تعتمد المصارف في ذلك على وضع رقم سري يحل محل التوقيع التقليدي، ويتم وضع هذا الرقم في ذات الوقت الذي يتم فيه طباعة الشيك، ويصبح الرقم حيئنذ كالتوقيع تمامًا، بمعرفة شخص أعطى أمر إصدار الشيك. والمحصلة الحقيقية لتلك العملية هي توفير الوقت الذي تستغرقه عملية فحص الشيكات.

كما تسهم المعلوماتية مساهمة فعالة في مجال المعاملات التجارية. فهي تعين في إتمام الكثير من الصفقات التجارية دون حاجة لانتقال الطرفين والتقائهما في مكان معين، وإن لم يتم إتمام الصفقة فيكفي أنها تعين على التعريف بها تعريفًا كاملاً موفرة بذلك الوقت والجهد والمال.

إن صناعة المعلوماتية تعد اليوم إحدى الصناعات الأساسية في عالم العلاقات الاقتصادية الدولية. ولذلك فهي تُعدُّ شرطًا جوهريًا ضروريًا للتطور الاقتصادي والاستقلال الوطني، كما أن الآثار المتزايدة للمعلوماتية على الإنتاج ومن ثم على المنافسة، وتزايد الطلب المستمر على هذا المجال يُعطي للدول التي تتفوق في هذا المجال الوسائل الحقيقية لممارسة الضغوط الخارجية التي تحقق مصالحها، ولعل ذلك هو ما ينطق به الواقع العالمي.

وللأسف، فإنّ نصيب العالم الثالث في الاستهلاك العالمي ضعيف للغاية، كما أن نصيبه في الإنتاج العالمي ضعيف للغاية، ويتجلى الأمر بصورة واضحة وجلية في مجال المعلوماتية.

ففي مجال صناعة المعلوماتية، فإنه يلاحظ أن دول العالم الثالث ليس لديها المهارات التقنية اللازمة لهذا المجال، ولا السوق الداخلية الكافية، مما أدى إلى تعميق روابط التبعية بين الدول المتقدمة والمتخلفة في مجال صناعة المعلوماتية، وهذا هيأ للشركات المتعددة الجنسيات مجالاً واسعًا لتلعب دورًا مهمًا في تسويق أجهزة المعلوماتية وملحقاتها، بإغراء حكومات العالم الثالث وشعوبها لضرورة التزود بهذه الأجهزة.

والملاحظ الآن أن معظم دول العالم الثالث تبحث مسألة اقتناء الآلات والأدوات الخاصة بنظام المعلوماتية وتتنازع الشركات متعددة الجنسيات أسواق هذه الدول.

إن التطور العلمي المستمر في الدول المتقدمة يشكّل تحديًا حقيقيًا لدول العالم الثالث، وإن لم تستيقظ وتفيق دول العالم الثالث لهذه الحقيقة فإنه سيكون مقضيًا عليها بالفناء.

أخيرًا أقول:
1- لا ينبغي المغالاة في الآثار الإيجابية للمعلوماتية فإن لها بعض الآثار السلبية.
2- ينبغي الحذر من بعض أنواع المعلوماتية التي تضر بالقدرة على الإبداع والابتكار وبالعملية التعليمية.
3- على دول العالم الثالث أن تفيق من غفوتها، وتتجه للأخذ بالمناهج العلمية الحديثة والمتطورة حتى لا تظل مستوردة لكل منتجات الدول المتقدمة وما يرتبط بذلك من تبعية اقتصادية وسياسية وثقافية.
وقد آن أوان ذلك!!..



ثورة الإنفوميديا
قد تكون أي آلة حاسبة للجيب بين أيدينا اليوم أكثر من حيث القدرة والإمكانات مما كانت عليه كل الحواسيب التي وجدت قبل عام 1950م، وحتى ألعاب الفيديو التي يلهو بها أطفالنا الآن، هي الأخرى لديها من الإمكانات ما يفوق قدرة حاسوب كلّف إنشاؤه ملايين عدة منذ عشر سنين مضت.

إن ثورة الوسائط المعلوماتية آتية وفي جعبتها عجائب تخرج عن نطاق الحصر، فكما أذهلت السيارات والطائرات الأولى أجدادنا، وأدهشنا الراديو والتليفزيون لدى ظهورهما، ستقلب ثورة الوسائط المعلوماتية Infomedia Revolution حياتنا رأسًا على عقب.

فلا عجب، إن قيل إن أعظم ثلاث قوى تقنية على الساحة الآن: الحوسبة، والاتصالات، والوسائط المعلوماتية (الإعلامية)، التي من خلال تكييف نفسها معًا تحقِّق صيغة ائتلافية جديدة فيما بينها تعرف باسم: "التقارب التقني Convergence، ويحقِّق ذلك التقارب عائدًا يفوق 30 تريليون دولار سنويًا.

وستبرز الوسائط المعلوماتية - كما يقول الخبراء - ومن خلال تلك الصناعة الجديدة، التي تتنامى في سرعة مذهلة، كسلاح أساسي جديد للمنافسة في القرن الحادي والعشرين، وسيظهر إلى الوجود جيلٌ جديد من شركات تمتلك تقنية ثاقبة تدعم بدورها الوسائط المعلوماتية، لتحقِّق نجاحًا فلكيًا.

يقول فرانك كيلش في كتابه: "الوسائط المعلوماتية وكيف تغيّر عالمنا وحياتك؟": إن ثورة الوسائط المعلوماتية تتحدانا على المستوى الشخصي، وتثير قضايا أخلاقية جديدة وتغيّر من أساليب حياتنا اليومية.

لقد تقادم عصر المعلومات تقادم الحواسيب البالغ عمرها أكثر من خمس وعشرين سنة. فلماذا نتكلم عن عصر كانت أجهزة الحاسوب فيه لا تعالج سوى البيانات بينما نجدها تعالج الآن، الصور والفيديو والصوت - الوسائط الإعلامية - بالقدر ذاته من السهولة؟! وقد توافق عصر المعلومات الذي انطلقت بداياته في السبعينات، مع عصر الحواسيب الرئيسية. واليوم، لدى أطفالنا قدرة أكبر على معالجة البيانات بين أيديهم.

لقد أصبحت أجهزة الحاسوب جزءًا متمّمًا لحياتنا اليومية، بدءًا من ماكينات تسجيل المدفوعات النقدية حتى آلات الحساب الرقمية ومشغّلات الأقراص المدمجة وألعاب الفيديو وآلات النسخ والفاكسات والهواتف الذكية المتنقلة، وحتى الساعات التي بأيدينا ما هي إلا حواسيب مقنّعة، ولذا، سيكون المحرك الاقتصادي Economic Engine للاقتصاد العالمي الجديد مكونًا من صناعات الإنفوميديا وهي الحوسبة والاتصالات والإلكترونيات الاستهلاكية، وهذه الصناعات هي أكبر الصناعات العالمية الآن وأكثرها ديناميكية ونموًا حيث يبلغ رأس مالها أكثر من 3 تريليونات دولار، وسيكون عصر الإنفوميديا أعظم انطلاقة وأضخم تعزيز على مدار التاريخ للاقتصاد العالمي، خارج نطاق المجال العسكري، وسيكون هو محرك التقدم للتكتلات الاقتصادية التجارية العظمى في القرن الجديد، وسيكون عصر الوسائط المعلوماتية (الإنفوميديا) لبعض الناس كنز الفرص الجديدة. وقد ظهر على الساحة أخيرًا، محاربون جدد لعدد من الشركات لمواجهة عصر الإنفوميديا، وقد تشكلت ملامحهم بالفعل. فقد أخرجت لنا شركات مثل مايكروسوفت Microsoft وإنتل Intel وآبل Apple وسيجا Sega وكومباك Compag رجال أعمال من أمثال ستيفن جوبز وبيل جيتس.

ولقد وجدت كبريات المؤسسات من عمالقة الصناعة أمثال IBM و Amdahl وSperry وBurroughs أنفسهم في موقف صعب؛ ففي صناعة يكون فيها العائد الوفير هو المعيار، لن يكون بيل جيتس هو آخر بليونير في العصر الجديد، ولن تكون IBM هي أول من يعاني من آلام ذلك الاضطراب الهائل الذي اعترى الصناعة.

ولا شك أن ثورة الإنفوميديا ستلقي بظلها على كل مشروع وكل صناعة. وقد احتلت أجهزة الحاسوب وشبكات الاتصالات موقعًا رئيسًا وسط العمليات اليومية لكل مشروع أو مؤسسة، بل يمكن القول إنها قد أصبحت سلاحًا تنافسيًا رئيسًا في معركتها لفرض سيادتها على السوق.

وفي زمن ثورة الإنفوميديا، لا عجب إن وجدنا هواتف بلا أسلاك ونشر بلا ورق، وكتب بلا ورق وعقار إليكتروني وتسوق منزلي ونقود رقمية وبطاقات ذكية ومتاجر دون أرفف ومصارف بلا صرافين؛ إذ لم تكن النقود موجودة طوال أكثر فترات التاريخ امتدادًا، وكان البشر الأولون يستخدمون أسلوب المقايضة في تجارتهم فكانوا يبيعون بضاعتهم لقاء ما يحتاجونه من بضائع. وعلى مدار معظم تاريخ الجنس البشري، كان نظام المقايضة هذا هو الطريقة الوحيدة المتاحة للناس لامتلاك الأشياء التي لا يمكنهم تنميتها أو تصنيعها بأنفسهم. وفي النهاية أدرك البشر أن المقايضة لا يمكنها أن تفي باحتياجاتهم. ولابد أن تكون هناك طريقة أفضل، لذا، تطورت نظرتنا للنقود مع تطور المجتمع. فقد كانت تمثل احتياجات ومتطلبات المشاريع والأعمال والمصارف والحكومة والتي شكلت الصيغ المختلفة للنقود، واليوم تمثّل النقود شريان الحياة لكل المشروعات والاقتصاد الوطني.

واتخذت النقود على مدار الأزمنة صورًا وأشكالاً مختلفة واستخدمت الأصداف ، والبندق والحجارة والورق كنقود، بَيْد أنه ليس هناك أكثر مدعاة للغرابة والدهشة من نقود لا توجد على الإطلاق، واليوم، نجد أن الغالبية العظمى من النقود ما هي إلا نبضات إليكترونية في أي حاسوب. ومن الممكن تداولها وتحويلها بسرعة الضوء، وسرعان ما ستحل البطاقات الذكية مكان بطاقات الائتمان التي شاعت في كل الأرجاء، فلقد كانت البطاقات الذكية محور اهتمام مكثف وتطوير على مدى أكثر من 25 عامًا، وليست المصارف هي المستفيدة من البطاقات الذكية وحدها. فسيجني المستهلك ثمارها هو الآخر فالبطاقات بديل ملائم وسهل الاستعمال - كما يقول الاقتصاديون المتفائلون - للتعامل بالنقد والشيكات، إن البطاقات الذكية قد تصبح دفتر شيكات المستقبل حيث تعكس كل معاملات العميل المالية ومدفوعاته. وسيكون لدى المستهلكين القدرة على إدارة سنداتهم وأوراقهم المالية في أي وقت وأي مكان تقريبًا.

ختامًا أقول:
لقد لعبت الأدوات دورًا مهمًا في تحديد ملامح الجنس البشري. فكانت خصائص كل عصر تصيغها الأدوات التي ظهرت في زمانه. وقد تمّ تدوين تاريخ العقد الأخير من التاريخ على الحاسوب، أما العقد القادم فسيشكله الحاسوب كلية، وكلما تضاربت تقنيات المعلوماتية والوسائط الإعلامية والاتصالات، أدركنا أن عالمنا يعاد صياغته من جديد. إن تلك القوى ستعمل بجهد لا يكل على دفع عجلة الاقتصاد والمجتمع وحياتنا الخاصة نحو العصر القادم: عصر الإنفوميديا.

إن ثورة الوسائط المعلوماتية (الإنفوميديا) تطرق أبوابنا بالفعل، ولن تدع أمامنا سوى خيارات تشترك كلها في صعوبة واحدة: النظرة المستقبلية...


الثورة الرقمية
تضفي الإنترنت والتقنيات المرتبطة بها طابعًا خاصًا على الطريقة التي يعيش بها الناس ويعملون ويتصلون. فما التأثيرات التي ستحدثها هذه التغيرات البعيدة المدى على حياتنا؟!. وما نوع الحكومات التي يحتاج إليها الناس خلال القرن الحادي والعشرين؟ أو بالأحرى ما نوع أنظمة الإدارة التي يريدها الناس في الألفية الجديدة؟

ربما، كان هذا السؤال ضمن الأسئلة الأكثر جوهرية وهذا هو الوقت الملائم لطرحه، ولكن ذلك ليس فقط لأننا على مشارف تاريخ خاص في التقويم، تاريخ مشهود، كما هو ملاحظ بعشية العام الجديد، لا، بل السبب أننا نعيش فترة من فترات التغيير الأكثر إثارة في التاريخ.

والواقع، أن كل شيء نقوم به في حياتنا اليومية وفي عملنا وفي كل نواحي هياكل أنظمة إدارتنا، يمرّ الآن أو سرعان ما سيمرّ، بتحوّل أساسي، وهذا التحول يسمّى بالثورة الرقمية.

إن التقنيات التي تعمل بالإنترنت وترتبط معًا، والتي تمثل الإنترنت فيها الشكل الملحوظ بدرجة أكبر على الملأ تقوم الآن بقلب العالم رأسًا على عقب، ومع رسوخ شبكات العمل بصورة متزايدة تعيد هذه التقنيات تشكيل الطريقة التي يعيش بها الناس ويتصلون ويعملون. ونفس هذه التغيرات التقنية التي تغيّر حاليًا عالم الأعمال والمجتمع المدني ستضفي أيضًا طابعًا خاصًا على الطريقة التي تقوم بها أنظمة الإدارة وطبيعة الحياة العامة نفسها، وستقوم الثورة الرقمية في سياق تواصلها بإعادة تشكيل علاقات متميزة وإن ظلت متشابكة بين الناس.

ولكي نفهم لماذا وكيف ستتأثر مؤسسات أنظمة إدارتنا بمثل هذا العمق، من المفيد أن نبحث أولاً التأثير الهائل للاقتصاد الرقمي على الأعمال.

إن التقنية المعتمدة على الإنترنت تفرّخ أعمالاً جديدة تعلن وفاة شركة العصر الصناعي، فمنذ أعوام مضت، طرح الباحث الاقتصادي رونالدكوس سؤالاً ذكيًا: لماذا توجد الشركة؟! إذ أنه في عالم رشيد، قائم على النظرية الاقتصادية التقليدية، لماذا لا يستيقظ العمال والموردون والعملاء كل صباح فيشترون السلع من السوق ويعقدون الصفقات؟ لماذا هذه البنى الأساسية الضخمة والمصانع الثابتة في حين أنه في عالم مثالي أو على الأقل عالم نظري ستقوم قوانين العرض والطلب بإملاء التسعيرة، وقبل أن يبرد الإفطار نرى العالم يتبدى واضحًا للعيان كما ينبغي له أن يفعل؟!.

وكانت إجابة كوس بديهية وتتفق مع الفطرة فالاقتصاد كان معقدًا للغاية، والأهم من ذلك أن تكلفة إبرام كل تلك الترتيبات كانت من حيث الوقت والمال على حد سواء أعلى كثيرًا من التعامل مع أي شيء آخر سوى هيكل شبه دائم عالي التنظيم يسمى الشركة.

ولكن إذا انتقلنا بسرعة إلى اليوم، يسقط الآن بعض من تلك الحواجز التي كانت تحول دون إبرام ترتيبات أكثر مرونة بكثير بين الموردين، وشركاء البنية الأساسية وحتى العمل وهو يتمثل الآن في الأدمغة، وليس في القوة العضلية، وتتمثل ميزة الاتصالات المدارة بالإنترنت في أن تكلفة المعاملات لمثل هذا النشاط تنخفض إلى الصفر تقريبًا عندما يزيد مدى وسرعة تقنيات الاتصالات زيادة أُسّية، وعندما تصبح الأدوات أقوى.

وليست التجارة الإليكترونية سوى قمة جبل الجليد: فالاقتصاد الجديد يدور حول ظاهرة أعمق كثيرًا تعيد صنع قواعد الأعمال.

وتظهر الآن اتجاهات رئيسة متعددة، يمكن أن تكون أوصافها الموجزة مفيدة عندما نفكر في التغيرات المقبلة في أنظمة الإدارة، ومن ذلك:
(1) الشركات يتم تحويلها على نطاق واسع: بحيث تخضع لفحص دقيق وإصلاح واسع النطاق.
(2) السوق تتعلم كيف تمارس السلطة: حيث تغدو السوق أبرع وأكثر تشددًا.
(3) مشروعات الأعمال: حيث تتحرك هذه المشروعات بسرعة هائلة.
(4) المعرفة هي الأصول الرئيسة: بحيث يفسح النشاط الاقتصادي الذي يقوم على استخراج وتحويل الموارد النادرة المجال لاقتصاد الوفرة، وفرة المعلومات ووسائل الاتصال. ويغدو تأثير المعرفة عبر الابتكار حاسمًا.
(5) الشفافية والانفتاح: حيث يصبحان عاملي تمكين رئيسين في السوق.

إن العصر الرقمي زمن تحولات كبيرة تزعزع الاستقرار لم يسبق لها مثيل، ومع انهيار الهياكل القديمة وتآكل القوانين والأعراف القائمة، تحل أخرى محلها، وإذا كانت الأعمال الإليكترونية تعلّمنا شيئًا فهو أن العصر الرقمي يمقت الفراغ؛ لذا، فإن هيكل العصر الصناعي، الذي كان عالم الحياة العامة فيه يشتمل على ثلاثة مجالات رئيسة هي الحكومة، والسوق، والمجتمع المدني، يمرّ الآن بتحوّل أساسي مع سيطرة التقنيات، ومن ثم، تصبح الإنترنت منفذًا لأشكال جديدة من التفاعل مع المواطنين تسمح بالمشاركة.

وفي العصر الرقمي، يتحول المواطنون من مجرد مستهلكين إلى وضع يصبحون فيه شركاء نشطين في عملية الإدارة؛ يقول دون تاسكوت: في الأعوام القادمة نعتقد أنه سيحدث بون شاسع واسع النطاق لنموذج أنظمة الإدارة.

ومع ذلك فإن هناك الكثير مما يدعو للتفاؤل إذا أن التقنيات الجديدة والتغيرات الناشئة عن التطبيق الواسع لها سوف تتيح لأنظمة الإدارة في القرن الحادي والعشرين الفرصة، ليس فقط لتعمل بصورة أفضل، بل أيضًا وهو الأهم، لتقوم بإشراك المواطنين في الإدارة.

بَيْدَ أننا لا ينبغي أن نتجاهل الأخطار أيضًا إذ تبقى قضايا خطيرة دون حل، وفي مختلف أنحاء العالم، يشعر الناس بالقلق، عن حق من قدرة التقنيات الجديدة على تقويض خصوصياتهم.

ختامًا أقول:
إن في متناولنا إقامة أنظمة إدارة أعيد تنشيطها لتواكب العصر الرقمي. وعندما يقوم الشركاء والمواطنون والقطاع الخاص بإعادة تحديد أدوارهم وإعادة مشاركتهم فيها ستكون النتيجة أنظمة إدارة أفضل.

وبعد:
فإن هذه أبرز الجوانب الإدارية - حسب إجتهادي - للتقنية الحديثة التي تُعدُّ مطلبًا أساسًا من مطالب التغيير الإداري، وتلك أهم النتائج والتوصيات التي أراها مهمة لاستعراض الواقع واستشراف المستقبل في قطاع الإدارة ، ورسم صورة لانعكاسات المتغيرات المستقبلية، وبخاصة المتغيرات التقنية وثورة المعلوماتية على الإدارة وتطبيقاتها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق